د. أحمد درة التناقض الذي تعيشه الأمة العربية والاسلامية، يعكسه الموقف المشهود في عرفات منذ أيام والواقع المتردي المليء بالعيب والمحرم من القول والفعل، وما يدور بين أمتنا من خصام وصراع وانبطاح لألد الاعداء. فمشهد عرفات يؤكد ان الاسلام دين عفو وسماح، وتقرب إلي الخالق العظيم بأعمال البر والتقوي، ولباس الواقفين به يدل علي الآخرة، وانها هي المبتغي والهدف الأجل لكل مسلم يريد أن يلقي الله مطهرا، نظيف اليد والقلب، أما ما يجري علي أرض المسلمين، وما يراق من دماء بريئة لا ذنب لها ولا جريرة، إنما يبعث الشكوك في المآرب والنوايا، ويجعل من واقع هذا العالم الاسلامي مرمي لسهام اعداء الاسلام لينعتوه بما يحدث علي ارض المسلمين، ويختلط الامر علي المغرر بهم فيرون الاسلام بما يفعله المنتمون إليه. وكنت اتمني ان يتغير شيء من هذا الواقع بعد ثورات الربيع العربي، إلا أن الامنيات سبق اليها شياطين الجن والانس معا، وألقوا فيها ما ألقوا، وها نحن اولاء نري ما لا يسر القلب، بل نري ما يدميه، ان بلدا مثل سوريا تنزلق إلي الهاوية، وتكاد تتفكك، وما يحدث هناك انما هو حرب اهلية، أشعل نارها أطراف عديدة، لينكسر في النهاية جيش كبير وقوة رئيسية من قوة العرب والمسلمين، انه نفس الذي جري مع جيش العراق، وانتهي امره إلي حرب أهلية شرذمت قوة كانت تحرس بوابة العرب الشرقية، ولم يكن ثمن الموت هناك علي أرض العراق بأبخس من ثمن الموت هنا في سوريا. وجاءت هدية العيد موجهة إلي السودان من مكان قريب، فضرب مصنع مثل ضرب مسجد أو ضرب مصلحة حكومية جميعها يتساوي لان اليد التي ضربت هي نفس اليد التي مزقت السودان بالأمس، وقدمته قربانا للمخططين لتفتيت وتمزيق البلدان العربية والاسلامية، وكم حزنت لأن التوقيت الذي اختارته اسرائيل لفعل ذلك جاء شبيها بالتوقيت الذي ضربت به المفاعل العراقي، حينما كان يجلس بيجن مع السادات في الاسماعيلية، ألا تري ان نشر خطاب ابتعاث السفير المصري إلي اسرائيل يشير إلي ذلك وان اختلف الشكل، لقد بدا، وان القيادة المصرية الجديدة تجاهلت ما فعلت اسرائيل، ولكن المؤشرات كلها تؤكد ان العرب والمسلمين لم يستفيدوا كثيرا من ثورات الربيع العربي، وان شيئا خافيا يحول دون هذه الاستفادة. لقد تعقدت الامور أمامنا، وفي العمق من عالمنا يكمن مرض عضال يفرق كلمتنا ويبدد عزيمتنا ويحبط كل محاولة لرأب الصدع المتواصل في انفصامه وأصبح الواقع عندنا عنفا يفضي إلي عنف، لا نعرف قيمة للقيم الرفيعة التي وحدت أمما من قبلنا وانقذتها من الضياع فأصبحوا اليوم سادة العالم، وتراجعنا نحن، كما تتراجع الجيوش المهزومة، ولست أسمع صوتا هاتفا في هذه الأمة التي تخلت عن قيمها وموروثاتها العظيمة ليقول لهم كفوا عن هذا الهراء وتعالوا إلي كلمة سواء، هل نترك سوريا العزيزة تهان إلي هذا الحد وتتلاعب بها الدول المتصارعة لتقدمها قربانا إلي اسرائيل، هل نترك السودان يتحلل بهذا الشكل، ويصبح نهبا يسيرا لاعدائنا، كم هي موجعة هذه الضربات التي نتلقاها، وكأن الثورات ما قامت، وكأن شيئا لم يجر علي أرضنا الا تكرارا لما كان عليه العرب والمسلمون من قبل، إن علي الافاعي التي تتحرك لتنفذ أجندة الطامعين من الغزاة الجدد، عليهم ان يعتبروا من مصير الخونة والمرجفين في المدينة.