تعرضت في مقال الأسبوع الماضي لجريمة تدمير شاشات القنوات العربية، الرسمية والخاصة معاً نتيجة لسيطرة وكالات الإعلان علي هذه الشاشات وفرض كل ما هو تافه وسطحي بتصور أن مثل هذه المواد هي المواد الأكثر إثارة وجاذبية للمشاهد.. وأفهم أن تخضع القنوات الخاصة لهذا المنطق السقيم لكنني لا أفهم مطلقاً استسلام تليفزيون الدولة بكل قنواته لهذا المنطق. تليفزيون الدولة هو القادر علي التصدي لهذا العبث الإعلاني بالعودة لمنطق الالتزام الصارم باختيار المواد المحترمة سواء في البرامج أو الدراما، ووضع »خريطة« برامج لا تراعي إلا تقديم الأعمال الجيدة والمحترمة الثقافية والترفيهية والدرامية، واختيار مواعيد البث المناسبة للفئات المستهدفة. ويجب علي تليفزيون الدولة أن يرفض قطع البرامج والمسلسلات والأفلام إلا في أضيق نطاق ممكن وتحديد مدة الفترات الإعلانية بما لا يطغي علي المادة البرامجية أو الدرامية ولا يفسدها.. لقد جرب تليفزيون الدولة الاستسلام لمنطق وكالات الإعلان السخيف ولم يحصد إلا بضعة ملايين هزيلة من المؤكد أنه لن يحصل علي أقل منها لو أنه التزم بتقديم المادة المحترمة وبطريقة محترمة، وأؤكد لحضرات المسئولين باتحاد الإذاعة والتليفزيون أن التزامهم بهذا النهج المحترم سوف يجذب أعداداً كبيرة من الجماهير التي ضاقت بطغيان الإعلان وإلحاحه المستفز، وأذكر هؤلاء المسئولين بأن احترام المعايير المهنية للإعلام والتي ترفض تماماً مهازل الإعلان، فاحترام هذه المعايير المهنية هو الأمر الذي يجب أن تكون له الأولوية القصوي في تليفزيون الدولة.. وأعود للتأكيد علي مسئولية تليفزيون الدولة ولا يحتاج الأمر لأكثر من توفر النية الصادقة والقدرة علي اتخاذ القرار وتحمل تبعات هذا القرار. وأعرف أن الأيدي المرتعشة لم يزل لها الغلبة وأن مافيا الإعلان ستطلق أقلاماً مرتزقة أو أقلاماً ليس لها دراية بشئون الإعلام لتهاجم بشراسة أي قرار يحاول التصدي لمافيا الإعلان التي تحقق المليارات ربما غير مستحق من سيطرتها علي شاشات القنوات التليفزيونية وتعلم هذه المافيا أن تليفزيون الدولة هو وحده القادر علي أن يبدأ معركة وقف تسلط الإعلان علي الإعلام وإعادة الاحترام لشاشات التليفزيون، ولهذا فإن مافيا الإعلان ستهاجم بشراسة أي قرار لمسئولي اتحاد الإذاعة والتليفزيون في الاتجاه الصحيح.