هناك مباديء كثيرة مشهورة في عالم السياسة، منها مثلا مبدأ "عدم تدخل الغير في الشئون الداخلية للدول باستثناءات معينة"، ومنها مبدأ "المعاملة بالمثل"، وثمة مباديء اشتهرت بأسماء الذين نادوا بها، مثل مبدأ "مونرو" الذي أعلنه جيمس مونرو، رئيس الولاياتالمتحدة، في القرن التاسع عشر، وكان يقضي بالحيلولة دون أي مزايا استعمارية لأوروبا في الأمريكتين، وهكذا. ولكننا الآن ومنذ نحو عشرين شهرا، نشهد مبدأ جديدا وغريبا في تعامل المجتمع الدولي مع النظام الحاكم في سوريا الذي يقمع ثورة شعبه ويرتكب ضده أبشع المجازر، وهو مبدأ يمكن تسميته "الزغزغة السياسية". فالمجتمع الدولي - الذي هو في النهاية تعبير غير دقيق لأنه لا يعبر عن مجموع دول العالم، بل عن عصابة من القوي الكبري تحكم العالم - يتعامل مع النظام المجرم الذي يقتل شعبه في حرب إبادة جماعية تكاد تكون غير مسبوقة في التاريخ، بوتيرتها ووسائلها وأرقام ضحاياها وجرائمها البشعة وعذاباتها المروعة، بمبدأ "زغزغه مادمت غير قادر علي أن تزعزعه"، يعني نجد مجلس الأمن يعقد جلسات بلا طائل، ثم يرسل مراقبين بلا فائدة، ثم يوفد كوفي عنان بلا نتيجة، ثم يبعث الأخضر الإبراهيمي لأن الرجل علي ما يبدو في حاجة للفسحة، كل ذلك ليس "لزعزعة" نظام متورط لأذنيه في جرائم ضد الإنسانية ضد شعبه، ولكن "لزغزغته" فقط. فنحن لا نري أي تأثير سلبي علي النظام السوري منذ ترك العرب والمسلمون لهذا "المجتمع الدولي" زمام التعامل مع الأزمة السورية. بالعكس، السفاح بشار يظهر علي الشاشات أكثر صحة وتهلل وجهه واستمرت ابتسامته الحمقاء وثرثرته البلهاء، وكذلك انتعش مساعدوه وأركان نظامه وزادت صفاقتهم في تصريحاتهم السياسية. ومازالت الحكومة المجرمة في سوريا ثابتة الأركان، وتواصل قتل النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد، وتواصل هدم المساجد وتعذيب السجناء بدناءة منقطعة النظير، ولسان حالها يقول"أنا الأقوي وأتحدي الجميع". وأبطال الجيش الحر يخوضون حربا غير متكافئة لمحاولة الدفاع المستميت عن أهلهم المستضعفين في سوريا. إذن، فالمجتمع الدولي بعد أكثر من سنة ونصف من حرب الإبادة التي يتعرض لها السوريون، لم ينجح في "زعزعة" النظام السوري، ولكنه نجح نجاحا باهرا في "زغزغته" وإثارة ضحكاته وبسماته وتسليته ليمضي قدما في مزيد من الذبح للأبرياء. لماذا يستطيع هذا "المجتمع الدولي" المزعوم في أزمات أخري أن يحشد التأييد، بل ويحشد الجيوش والأساطيل، لماذا استطاع ذلك عندما أراد غزو أفغانستان والعراق وعندما أراد تحرير الكويت ؟ ولماذا تحتشد فرنسا الآن مثلا وبمساندة غربية للتدخل في مالي ؟ الجواب دائما واحد وصادم، وهو أن مصلحتهم هي التي تحركهم لا مصالح الشعوب ولا مباديء الحرية والقيم الإنسانية. وفي حالة سوريا، غير صحيح أنهم يعادون نظام بشار، علي العكس تماما كما أكدت الأحداث، كان هذا النظام هو الأفضل لصالح إسرائيل، بغض النظر عن الشعارات الزاعقة والطنطنة الإعلامية الفارغة، وكلنا يعلم كيف بيعت الجولان وكيف لم تطلق رصاصة واحدة ولو طائشة ضد الصهاينة في الجولان منذ 1973، وأيضا بدليل المذابح التي شارك فيها السوريون أو حلفاؤهم ضد الفلسطينيين في لبنان. المسألة ببساطة أن الغرب يعلم أنه إذا سقط النظام السوري، فإن القوة الوحيدة المؤهلة لوراثته هي "الإسلاميون" - وبالتحديد "الإسلام السني" - ولذلك، فلسان حالهم : "علي جثثنا أن نسمح لنظام إسلامي آخر علي حدود إسرائيل ويكفي ما حدث في مصر"! لكل ذلك، يستخدمون مبدأ "الزغزغة السياسية" مع النظام السوري!