فعلا، لابد من البحث عن جواب جدي وموضوعي عن هذا السؤال. لماذا كل هذه الحركات الجماهيرية، من وقفات احتجاجية وتظاهرات وإضرابات واعتصامات؟ إن جميع العاملين تقريبا شاركوا فيها. وهي كانت سبقت قيام ثورة 52 يناير، وتواصلت وتزايدت بعدها. الحكومة قبل الثورة، وبعدها، تتخذ منها نفس الموقف، ربما بعد الثورة اضطرت لتحسين خطابها بعض الشيء، بالإعلان -مجرد الاعلان- أن التظاهر والاضراب حق مكفول للجميع، وأنها تبحث للجميع عن حلول تلبي مطالبهم »العادلة«.لكنها، عمليا ،، تفعل كل شيء لمحاربتها ، بتشويهها ، وتأليب الفئات غير المشاركة فيها عليها . وفي النهاية لا تلبي مطالبها. ويبقي السؤال : لماذا يضرب مصريون ، علي قدر من الوعي وإدراك حقائق الظروف التي تمر بها الدولة حاليا ، مثل المعلمين والأطباء وأساتذة الجامعات ومضيفي الطيران وعمال النقل العام..؟ هل هم جهلة ؟ طبعا لا .. هل هم أنانيون، يبحثون عن مصالحهم الخاصة علي حساب الجميع؟ مؤكد لا .. لنأخذ مثلا المضربين منذ ثلاثة أسابيع: الأطباء. لقد قاموا بكل أنواع الشكوي، والاحتجاجات، وإضراب سابق. ووعدوا كثيرا، لأن »مطالبهم عادلة«. ولم ينفذ شيء. بل تفاقمت أوضاعهم أكثر. فلجأوا الي نقابتهم العتيدة. عقدوا جمعيتها العمومية التي اتخذت قرارا بالاضراب العام المفتوح في جميع منشآت وزارة الصحة، ووقف معهم مجلس النقابة ذو الأغلبية الاخوانية وكذلك نقيبهم. ولأنهم أطباء واعون، يدركون طبيعة دورهم في المنظومة الصحية، وحق مرضاهم عليهم. كان أول مطلب لهم : زيادة نصيب الصحة في الميزانية ليصل الي 51٪ بدلا من 5٪ لضمان تحسين الخدمة الصحية للمواطنين، وخاصة الفقراء. ثم جاء مطلبهم الثاني تحسين المرتبات المتدنية جدا للأطباء، التي لا توفر لهم حدا انسانيا لهم، بتنفيذ كادر يحفظ لهم كرامتهم، ويساعدهم علي متابعة الجديد في الطب، بما يحسن خدمتهم للمواطنين. مع تحسين مرتبات جميع أطقم الخدمة الصحية، هيئة التمريض والفنيين والاداريين. ومطلب مشروع بتأمين المستشفيات من أعمال البلطجة التي جعلت عددا كبيرا من المستشفيات تغلق أبوابها.. ولأنهم أطباء، يدركون حيوية عملهم بالنسبة لمرضاهم، أعلنوا أنه لا إضراب بالنسبة لغرف العمليات، أو العناية المركزة أو وحدات الغسيل الكلوي أو أقسام الطوارئ والاستقبال، التي تأتيها الحالات التي تحتاج علاجا سريعا. لقد وازن الاطباء بين مصالح المرضي ومصالحهم، التي هي في النهاية لمصلحة المرضي ايضا. فكيف تصرفت الحكومة معهم؟ ظهر كثيرا علي شاشات التليفزيون مسئولون في وزارة الصحة، أطباء، يكررون كلاما بما يفهم المشاهدين أن الاضراب فشل. ونسب المضربين تنخفض يوما بعد يوم، وأن الاطباء »الوطنيين« يعملون لخدمة المرضي. ثم دفعوا بمندوبي التليفزيون ليؤدوا دورهم المعتاد، كما كان يحدث دائما أيام النظام الساقط، يستنطقون المرضي بأنهم لا يجدون العلاج بسبب إضراب الأطباء، وكأنهم كانوا يجدون علاجا قبل إضراب الاطباء، عندما كان هؤلاء الاطباء يجدون أنفسهم في حرج شديد وهم عاجزون عن علاجهم. لعدم توفر أي امكانيات في المستشفيات. ويكمل المتحدث باسم الرئاسة الموقف المعادي للإضراب، بتصريحه »أن الاضراب حق يكفله الدستور.. مالم يضر بالجمهور«. فيما أن كل اضراب لابد ان يضر بجمهورما.. اضراب الاطباء يضر بالمرضي. واضراب المعلمين يضر بالتلاميذ وأولياء الأمور، واضراب العاملين بالنقل العام يضر بالركاب، واضراب العاملين بالسكة الحديد والمطارات يضر بالمسافرين.. هذا يحدث في كل بلاد العالم، ولم يقل أحد ما قاله د. ياسر علي مجرما الاضراب! المسألة يا سادة مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، التي غابت عنا طويلا، ولا تزال فلا اجراءات حقيقية وفعالة لتحقيقها. فكيف لا يضرب المظلمون وهم يرون الحد الاقصي خمسين الف جنيه. بينما مرتب المعلم الذي يربي الاجيال، والطبيب الذي يعالجهم مرتبه واحد علي مائة من هذا الحد!؟ ونقرأ - في ظل كل أزماتنا- أنه تقررت »علاوة« شهرية للوزير 51 ألف جنيه.. فقط!