انهيت مقالي أول أمس حول ضرورة إعطاء الأولوية لعلاج الأزمة الاقتصادية بالترحيب بدعوة الحكومة لاجراء حوار مجتمعي حول السياسات الاقتصادية والتحديات التي نواجهها وقلت إنها خطوة مهمة يجب أن نلتف حولها ونشارك في الحوار بهدف واحد هو تحقيق مصلحة مصر. لكنني لاحظت أن الأسلوب الذي يتم به الحوار الآن لا يخرج عن كونه لقاء يجمع رئيس الوزراء ووزيري المالية والتخطيط بممثلين لبعض فئات المجتمع يتم فيه استعراض أبعاد الأزمة الاقتصادية التي نمر بها وحجم العجز في الموازنة وحجم الدين الداخلي والخارجي ونسب البطالة والفقر ومعدل التنمية المحقق في العام الماضي والمستهدف هذا العام ثم ينتهي اللقاء. ربما تحدث بعض مداخلات من الحضور وتطرح بعض الآراء ويعقب رئيس الوزراء والحاضرون من المسئولين.. ولا يتجاوز الأمر هذا الحد. مفهومي للحوار المجتمعي في قضية مهمة كهذه أنه لابد أن يدور أولاً مع المتخصصين وخبراء الاقتصاد الذين يستطعيون أن يضعوا لنا »روشتة« لانقاذ الاقتصاد القومي من عثرته والانطلاق به إلي آفاق تنقل مصر إلي مصاف القوي الاقتصادية الكبري في العالم. أقول هذا لحرصي الا يتحول هذا الحوار الذي بدأته الحكومة حول السياسات الاقتصادية إلي »مكلمة« ومانشتات صحفية فقط.. نحن نريد حلولا والحلول لن يضعها إلا المتخصصون والخبراء وليس مجموعات تمثل مختلف فئات الشعب.. ولابد أن تكون حلولا واقعية قابلة للتنفيذ وآثارها عاجلة ليلمس الناس أننا نسير في الطريق الصحيح. من المهم أيضا ألا تكون هذه الحلول علي حساب الفقراء ومحدودي الدخل.. ونحن نثق في د.هشام قنديل رئيس الوزراء ونصدقه عندما يقول ويؤكد ان الفقراء لن يدفعوا فاتورة عجز الموازنة ولكي يتحقق ذلك لابد أن تكون الحلول المطروحة لترشيد الدعم لا تمس الفقراء ومحدودي الدخل من قريب أو بعيد بحيث نضمن وصول الدعم لمستحقيه فعلا فلا يعقل أن يذهب ثلث الانفاق »الموازنة« إلي الدعم وتذهب نسبة 26٪ منه إلي الأجور ونسبة 22٪ لسداد أقساط الديون وفوائدها ولا يتبقي سوي 7٪ فقط من اجمالي الموازنة للصرف علي خدمات التعليم والصحة والمرافق.. ولان الاجور لا يمكن تخفيضها وأقساط الديون وفوائدها لا يمكن التهرب من سدادها فلا يتبقي أمامنا إلا الدعم الذي لابد من خفض مخصصاته في اسرع وقت وتوجيه الفرق للاستثمارات الحكومية ورفع مستوي الخدمات. ربما تكون قضية الدعم أصعب ما واجهته الحكومات السابقة وكلما اقتربت منها تعود فتتراجع في اللحظات الأخيرة.. الموقف الآن لا يحتمل أي تراجع أو تردد في اقتحام هذه المشكلة.. أعرف أن قاعدة البيانات تمثل عقبة أمام تحديد مستحقي الدعم.. لكن المؤكد أن خبراء الاقتصاد لديهم أفكار لتخطي هذه العقبة بما يضمن فعلا ترشيد الدعم ووصوله إلي مستحقيه فقط وسد كل الطرق لتسريب السلع المدعمة إلي السوق السوداء.