خالد جبر جاءتني مكالمة الصديق العزيز المهندس كامل الحمامصي مبكرة جدا . قلت :ألو.. قال لي شفت اللي بيحصل في سور الأزبكية في القاهرة وشارع النبي دانيال في الإسكندرية .كنت للتو قد انتهيت من قراءة العناوين الرئيسية لجرائد الصباح.. وطالعت فيها موضوعات عن مذبحة تقوم بها شرطة المرافق في المحافظتين لازالة نوافذ بيع الكتب المقروءة.. والتي تباع مرة أخري للشباب غير القادرين علي شراء الجديدة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتمكن الشباب بها من قراءة الكتب.. وأذكر أنني عشت سنوات كثيرة علي الزاد الثقافي الذي أتاحه لي ولجيلي سور الأزبكية العظيم الذي خرج منه كتاب وأدباء عظام..كنا نشتري الكتاب بقرش أو قرشين.. ومازلت أحتفظ ببعض الكتب النادرة . وكانت منها كتب ممنوعة في الستينيات.. وكان التجول في السوق بين الكتب الملقاة علي الأرصفة متعة ما بعدها متعة.. وتزيد تلك المتعة عند العودة من الجولة بصيد ثمين . يا لها من مأساة.. انهم يهدمون هذا المكان وربما يزيلون الحديقة بأكملها.. وما علمته أن المحافظة تنوي بناء سوق كبيرة تجمع فيها الباعة الجائلين الذين يملأون شوارع القاهرة.. وطبعا ستكون الأولوية لباعة الملابس المستعملة.. فهم الأعلي صوتا والأكثر ضجيجا وقدرة علي أخذ مواقعهم بالقوة والعافية.. يعني لن يكون هناك مكان لكتاب واحد.. ورحم الله سور الأزبكية . ونفس الأمر ينطبق علي شارع النبي دانيال. أنا مع ضرورة توفير أماكن للباعة الجائلين.. خاصة أنهم شباب لم يجد وسيلة أخري للعيش سوي الوقوف في الشارع ساعات طويلة من أجل قوت يومهم.. ونحن نعلم أن العيشة صعبة علي هؤلاء.. ومنهم من يحمل مؤهلا جامعيا ولكنه لا يجد عملا.. ومشروع النهضة لم يصل اليهم بعد وربما لا يصل قبل أن يموتوا من الجوع.. ولكن لم أكن أتمني أن يكون ذلك علي حساب سوق الكتب القديمة.. فمثل تلك الأسواق في العالم كله تعد من العلامات الحضارية.. التي تؤكد أن هذا الشعب مثقف ويحترم الكتاب.. وليس كل همه علي بطنه.. وهي في دول كثيرة تكون تحت اشراف الدولة.. رغم أنه ليس هناك دولة في العالم فيها وزارة للثقافة الا مصر . القضاء علي أسواق الكتب كارثة بكل المقاييس.. وذلك بعد توقف مشروع القراءة للجميع الذي أطالب بضرورة احيائه مرة أخري وليس معني أن راعيته هي قرينة الرئيس السابق أن نقتله وندفنه.. فهو كان المنفذ الوحيد لكتاب جيد في متناول الشباب. هنا سيقول العالم إن مصر ألغت المشروع وهدمت الأسواق لتكتب شهادة الوفاة للثقافة والقراءة الي الأبد. وكما ادعي المستشرقون بأن مكتبة الإسكندرية قد أحرقت مع دخول الاسلام الي مصر ، فانهم سيقولون إن هدم أسواق الكتب في القاهرةوالإسكندرية قد تم مع وصول الاسلاميين الي الحكم. حل مشكلة الباعة الجائلين لا يجب أن تكون علي حساب القضاء علي أسواق الكتب وتحويلها الي أسواق للهلاهيل.. هناك فارق كبير بين هذه البضاعة وتلك.. وفارق كبير بين هذا الزبون وذاك.. وفارق أكبر بين الدولة التي تحترم الكتاب وبين الدولة التي تقنن البلطجة.. والأمثلة علي ذلك كثيرة أشهرها شارع 26 يوليو الذي تحول الي شارع26 ألف عاطل يفترشون الأرض بالهلاهيل.