صورة الأكشاك المحطمة، والكتب الملقاة ممزقة و مبعثرة في شارع النبي دانيال بالاسكندرية، بعد هجمة قوات الأمن فجر الجمعة الماضية علي باعة الكتب، بدعوي إعادة الانضباط لشوارع الأسكندرية، هي صورة مخيفة في همجيتها وتدنيها.. ما كل هذا الجنون، والعدوان المتواصل علي الفن والثقافة والفكر والإبداع والإعلام والصحافة في أشهر قليلة، حالة من الفوضي والإرتباك والهذيان، وكأننا أمة تنتحر، تسعي بخطة محكمة لتدمير مكتسباتها وانجازاتها الثقافية والحضارية، أمة تتباهي بالجهل، والمنع والمصادرة، وتمزيق الكتب، وإغلاق الصحف والقنوات الفضائية، وحبس الصحفيين والفنانين وسبهم.. يتطاول أحد المشايخ علي الفنانات، ويتهمهم بالفجور، ثم يدافع عن طول لسانه ( بأن الفحش في القول لمن يستحقه، ويضيف في لقائه مع وائل الابراشي أمثلة كيف سب الرسول يوما من أغضبه، وكيف أفحش ابو بكر في القول، بل كيف استخدم القرآن نفسه مفردات مثل السفالة والفجور، والقول القبيح يقال لاهله)!! مجتمع ينتحر بالتأكيد، يتدني وينحدر، يلقي بقيمه وخلقه وثقافته، يحطم الكتاب ويلقي القبض علي باعة الكتب، ويطارد الكتاب علي الأرصفة، ويطارده في العقول أيضا.. تحطيم أكشاك الكتب في شارع النبي دانيال أحد معالم الأسكندرية الثقافية ليس تنظيما للمدينة، ولا إعادة ترتيب لشوارعها، ليس حفظا للأمن، ولا ضبطاً للمخالفين، فهناك مئات البنايات غير المرخصة، ومئات البضائع المهربة تشغل الشوارع، وهناك البلطجية، والمخدرات، والأسلحة بأنواعها المختلفة في يد الصغير والكبير، لكن الأمن في الأسكندرية لا يشغله سوي تنظيف المدينة من الثقافة والكتاب.. أمة تحارب الكتاب، وتعتدي علي الثقافة، هي أمة تنتحر !