يأتي علينا العيد دائما بذكرياته الجميلة في الطفولة حيث الدفء الأسري والتواصل الاجتماعي بين العائلات والجيران والأصدقاء، ودائما ما أجد أن الكثيرين من جيلي عندما نسترجع ذكريات الطفولة في العيد في حنين شديد إلي تقاليدنا الجميلة الدافئة وقت الأعياد لدرجة تكاد تظفر الدمع من أعيننا شوقا إلي يوم من هذه الأعياد بالماضي. فدائما نتذكر أن العيد له من الاستعدادات المبهجة، حيث تحضير ملابس العيد طوال شهر رمضان كما لو أنه ثوب الفرح والاستعدادات المختلفة بالبيوت لاستقبال ضيوف العيد، أما عن حلوي العيد، فكانت الاسر تتفاني في رائحته المنبعثة من أفرانهم وفي توزيع علب الحلوي علي الجيران والأقارب ليلة العيد، فالعيد كان معروفا بتجمع جميع أفراد الأسرة والعائلة أي أن المسافر يأتي إلينا ليشارك العائلة في العيد وليس العكس مثلما يحدث الآن حيث الكل يفر بالسفر إلي المنتجعات أو أماكن عزلته في العيد ويكتفي بإرسال برقية بالموبيل، لقد تعودنا دائما أن الزيارات العائلية في الأعياد تبدأ من الصباح الباكر وتنتهي بتجمع العائلة الكبيرة في بيت كبير العائلة حول مائدة العيد حيث رنات الضحك والمرح ورائحة العيد ممزوجة برائحة الورد البلدي والفل من المهنئين بالعيد، ودائما ما ينظر علي من يتخلف علي هذه المناسبات الكبيرة بسبب السفر أو المرض علي أنه فاته الكثير والكثير، وغالبا كان هذا المسافر أو المهاجر من شباب العائلة يحرص حرصا شديدا علي الاتصال ببيت كبير العائلة متلهفا لسماع صوت أعمامه وأخواله وأبنائهم فردا فردا في حنين مخلوط بالبكاء من الطرفين بالرغم من صعوبة وسائل الاتصال التليفوني خارج مصر وقتها، فدائما كنا ننتظر هذه المناسبات الرائعة من العام إلي العام، بل نحرص عليها لأنها بالفعل كانت فرصة رائعة لتواصل الأجيال ببعضهم واستشعار الدفء الأسري الذي كان حقا يمنحنا الشعور بالأمان والراحة النفسية والشعور أيضا بسند العائلة والقوة الداخلية للتصدي لمشاغل الحياة الصعبة، فهذه اللقاءات الجميلة كانت مثل الشحنة الايجابية التي تولد لنا طاقة معنوية لعدة أسابيع، وفي حنين إلي ذكريات العيد في الماضي، دائما ما نقارن تقاليدنا الجميلة في أعيادنا زمان والتغيير الذي حدث في طبائع أبنائنا من الشباب حيث أصبح لديهم فكر دخيل علينا وغريب جدا بأن أي اجتماعيات تقترن بالأسرة أو العائلة الكبيرة أصبحت دقة قديمة أو شيئا مملا بل ينظر للابن الذي يشارك تلك الاجتماعيات الأسرية كما لو أنه حسب مصطلحاتهم " ابن أمه أو شخص خام أو ليس منهم"، فأصبحوا يفرون أو يتنكرون من مثل هذه المناسبات العائلية بعمل ترتيبات مسبقة بالسفر أو الخروج مع مجموعة أصدقائهم دون أدني اعتبار لأي تجمعات أو التزامات عائلية رغم لوم الأهل لهم، فماذا حدث لأبنائنا وشبابنا ؟ هل هذا جزء من سلسلة التغييرات التي تحدث للمصريين مثلما جسدها عالم الاقتصاد الأستاذ الدكتور جلال أمين في كتابه ماذا حدث للمصريين ؟ أم هي العولمة وما طرأت علينا من ايجابيات وسلبيات بالإضافة إلي تعقد الحياة في مجتمعنا فأصبحنا نشبه الغرب في طبائعنا نهتم بالماديات فقط والأمور التي ستجلب لنا المال والمنصب والمركز وغيرها وتركنا العلاقات الانسانية والتواصل الاجتماعي وصنفناه من الاضافات المضيعة لأوقاتنا والخطورة في الأمر أن المجتمعات التي ضعفت فيها العلاقات الأسرية والاجتماعية مثل سويسرا والسويد والنرويج وبالرغم من تقدمهم أصبح لديهم أكبر نسبة من مرضي الاكتئاب والأرق بل أكبر نسبة من حالات الانتحار وهو عكس الحال في الدول التي مازالت لديها دفء أسري نوعا ما مثل المغرب وتركيا وباكستان وماليزيا . ولكي نكون منصفين، فلا يجب ان نوقع كل اللوم علي شبابنا لأن طبائعهم وسلوكياتهم وليدة ظروف الحياة المزدحمة والمعقدة التي آلت بنا وبهم، لكن يمكننا أن نبقي علي تقاليدنا الجميلة في أعيادنا من خلال بناء ثقافة مجتمعية بشكل جديد يلائم ظروف الحياة وطبيعة الشباب في الوقت الحالي مثلما نجح بعض الأصدقاء علي الحفاظ علي تقاليد التواصل الاجتماعي من خلال جذب أبنائهم من الشباب إلي هذه اللقاءات العائلية بالحرص علي التواصل الدائم مع أسر أصدقاء أبنائهم أو أفراد العائلة الذين لديهم أبناء في أعمار أبنائهم وترتيب التجمعات العائلية البسيطة مع المشاركة في التكلفة دون التثقيل علي أي فرد مع إشراك الشباب في اتخاذ القرار .