عبدالقاد شهيب يبدو أننا مغرمون بالمصطلحات السياسية.. كل بضعة أيام أو أسابيع نشغل أنفسنا بمصطلح سياسي جديد.. وبعد أن هدأ الحديث بيننا حول مصطلح الدول العميقة الذي استوردناه من تركيا، الذي استخدمه الاتراك أثناء صراع اردوغان مع الجنرالات. فإننا بدأنا نستخدم مصطلحا جديدا هو مفاصل الدولة الذي سبقنا الاخوة التونسيون في استخدامه بعد ان ظهر علي سطح الصراع بين الرئيس التونسي وحزب النهضة. واستخدام هذا المصطلح في مصر يأتي مقرونا بالتحذير من استيلاء فصيل سياسي واحد أو جماعة واحدة علي مفاصل الدولة، وذلك في مواجهة من يري ان الذي نجح في الانتخابات من حقه الشرعي السيطرة علي هذه المفاصل، وأن ذلك ما سوف يفعله مثلا روميني الذي ينافس أوباما الآن اذا ما فاز في انتخابات الرئاسة الامريكية.. وهكذا.. صارت مفاصل الدولة في مصر موضع صراع.. هناك من يري ان تلك المفاصل حق للجميع، أي جميع الذين ينضوون تحت لواء الدولة.. وبالتالي يجب ابعاد هذه المفاصل عن أي صراع.. وهناك من يري ان الديمقراطية تمنح الفائز في الانتخابات حق الإمساك بها.. ورغم أهمية هذا الصراع الدائر الآن حول مفاصل الدولة، الا ان ما يفوقه في الاهمية هو أن تلك المفاصل التي نتصارع حولها تعاني وجعا يجب علينا البحث عن علاج سريع له قبل ان نتنافس علي الامساك بها. ومفاصل الدولة تشبه مفاصل الانسان.. وهي معرضة للوجع نتيجة لتآكل الغضاريف أو الخشونة أو حدوث التهابات بها تسبب ألما. ونتيجة لأسباب عديدة وشتي تراكمت عبر سنوات تعاني مفاصل دولتنا من كل ذلك بداية من التآكل الي الالتهابات.. ومن بين هذه الاسباب إهمال رعاية هذه المفاصل والاستخدام السيء ثم إهمال علاجها حينما بدأت تعاني المرض.. ولذلك لم تعد هذه المفاصل قادرة علي حمل دولتنا وتحمل حركتها، بل انها تكاد ان تشلها عن الحركة أو تجبرها علي الحركة المحدودة تجنبا للألم. وقد ظهر ذلك جليا واضحا في عجز الدولة الآن عن توفر ضرورات الحياة لمواطنيها.. ففي الوقت الذي ينشغل فيه غيرنا من المجتمعات بتحسن وارتفاع مؤشر جودة الحياة، فإننا مهمومون بارتفاع مؤشر آخر هو »رداءة الحياة«.. حيث يجد المواطنون صعوبات جمة في حياتهم والحصول علي الخدمات الضرورية التي لا غني عنها الآن، بدءا من خدمات الكهرباء والمياه والمجاري، وانتهاء بخدمات النقل والمواصلات وحتي مجرد السير الآمن في الشوارع. وظهر ذلك جليا واضحا ايضا في زيادة المعاناة الاقتصادية للنسبة الغالبة من ابناء المجتمع التي تشمل الفقراء وابناء الطبقة المتوسطة فكل هؤلاء يعيشون تحت وطأة اسعار لا تتوقف عن الارتفاع ودخول غير قادرة علي ملاحقة هذا الارتفاع، فضلا عن صعوبة حصول أبنائهم الذين يدخلون سوق العمل علي ما يستحقونه من وظائف. كما ظهر ذلك جليا واضحا كذلك في حالة العشوائية والفوضي التي فرضت سطوتها علينا واصبحنا نعيش تحت حصارها، وأضحت هي طابع أدائنا لعملنا أو ممارستنا لحياتنا.. والخطر ان نتعود بمرور الوقت علي هذه العشوائية وفتصير سمة من سماتنا، خاصة أننا نتباهي منذ زمن بأننا خرمنا التعريفة ودهنا الهواء دوكو أو قمنا بتعبئته في زجاجات.. لكن أصبح الآن من يشكو هذه العشوائية يتهم بالتمرد وعدم التسليم بالقضاء والمكتوب! وهكذا.. فان إمساك قوة سياسية أو أخري بمفاصل الدولة لا يحل مشكلة هذه المفاصل ولا يضع حدا للوجع الذي تعاني منه هذه المفاصل والذي يشل من قدرتها علي الحركة، حتي صارت الدولة عاجزة عن الوفاء باساسيات الحياة لمواطنيها. والاولي بالاهتمام الآن علاج هذه المفاصل من أمراضها اولا، لا التصارع علي من يمسك بها، حتي تستطيع هذه المفاصل ان تتحمل عبء دولة كبيرة مثل دولة، وتيسر حركتها لتوفير ما يحتاجه اصحاب هذه الدولة من الضرورات البديهية للحياة، نظرا لاستفحال الرداء، التي اصابت حياتنا والزيادة المستمرة في المعاناة المعيشية للغالبية العظمي منا.. ولابد ان نضع نصب أعيننا علاج هذا الوجع في مفاصل الدولة حتي تقدر دولتنا علي الحركة وتنهض بمسئوليتها تجاه مواطنيها.. ويتعين ان يبدأ هذا العلاج فورا وبدون أي ابطاء او تردد.. فالوجع اصبح فوق الاحتمال وإلا صارت الدولة لا قدر الله كسيحة عاجزة عن الوفاء بمسئوليتها.. واذا كان علاج المفاصل الموجوعة للانسان الفرد يحتاج منه ان يلجأ الي الطبيب المتخصص صاحب الكفاءة.. والخبرة، فان مفاصل الدولة الموجوعة هي الآن تحتاج ممن يتحمل مسئولية ادارة هذه الدول ان يلجأ للمتخصصين الاكفاء أصحاب الخبرات ليضمن علاجا ناجحا لاوضاع هذه المفاصل.. ففي النهاية اذا ما نجح هؤلاء المتخصصون والاكفاء في علاج وجع مفاصل الدولة فان المستفيد المباشر من ذلك من يتحمل مسئولية ادارة الدولة حيث سوف يذلل له ذلك كثيرا من صعاب ادارته للدولة. فلنعهد بمفاصل الدولة لكل صاحب كفاءة وقدرة علي علاجها بغض النظر عن انتمائه السياسي حتي تتحرك دولتنا للامام من أجل حل مشاكل مزمنة زادت وطأتها مؤخرا علينا.