مظهر شاهين (ياابت إني قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) صدق الله العظيم لا تندهش إذا قرأت قول الله عزوجل (ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) لانه وبالفعل قد اجتمعت في ابراهيم الخليل عليه السلام من مكارم الاخلاق مالاتجتمع الا في امة كاملة . ولا تندهش كذلك اذا ماعلمت ان اباه كان كافرا ذلك ان الهداية بيد الله سبحانه وتعالي ، ولكن من حقك ان تندهش فعلا اذا ماوقفت امام هذا المشهد العظيم الذي جمع سيدنا ابراهيم عليه السلام بأبيه (او عمه) في حوار بديع مااحوجنا جميعا الي ان نقتدي به ونتعلم من خلاله كيف يكون الحوار بين الابن وبين ابيه في زمن انعدم فيه الحوار من الاساس المشهد : نبي الله ابراهيم عليه السلام يقف امام ابي (او عمه) علي اختلاف الروايات وان كان القران قد اورد نداء ابراهيم عليه السلام له بلفظة (ياابت) الا ان بعض المفسرين قالوا ان المنادي عليه في الايه هو عم سيدنا ابراهيم وان نداءه بلفظة (ياابت) كان شائعا علي اعتبار ان العم بمنزلة الاب . المهم : يقف ابراهيم عليه السلام مع ابيه (او عمه) يريد ان يأخذ بيديه الي طريق التوحيد وترك عبادة الاصنام ويقيم عليه الحجه امام الله تعالي في الدنيا والاخره ويبدأ ابراهيم عليه السلام الحوار فيقول : (اابت لم تعبد مالايسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) ، وتأمل الي البداية التي بدأ بها ابراهيم عليه السلام حواره مع ابيه حينما ناداه (ياابت) مع ماتحمله هذه الكلمة من شفقة وجنان وحب من الولد لوالده ثم تأمل مابعدها ( لم تعبد ) اي انه يلفت نظره الي استنكار مايفعله ويبعث عقله الي التفكير فيقول (مالايسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) اذا كيف تسمح لنفسك وقد وهبك الله عقلا ان تعبد هذه الاصنام التي لاتنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر . وهنا يصمت الاب فلا يرد علي ابراهيم عليه السلام مما دفع ابراهيم الي ان ينتهز فرصة صمت ابيه فيزيده من الحجة عساه ان يفكر فيقول (يابت اني قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني اهدك صراطا سويا). عين ابيه وكأنه قرأ سؤالا في عين ابيه يقول : ومن اين لك بهذا الكلام وكيف عرفت ان الاصنام التي اعبدها لاتضر ولا تنفع ؟ فأجاب ابراهيم عليه السلام ان ذلك انما هو بفضل ماوهبني الله من العلم دونك ودون غيري . ثم تجرأ ابراهيم قليلا فطلب من والده ان يتبعه (فاتبعني) ، وفي نفس الوقت كان يقول لابيه لاتستكثر علي نفسك ان يعلمك ولدك فانما ذلك بفضل العلم الذي وهبني الله اياه وانني انما افعل ذلك بغية ان ادلك علي طريق الهداية (اهدك صراطا سويا) والملاحظ ان ابراهيم عليه السلام لم يقل : اهدك الي الايمان او الي الجنة مثلا وانما قال (اهدك صراطا سويا) اي طريقا مستقيما وكأنه يعترف ان الهداية بيد الله سبحانه وتعالي وان دور الانبياء انما هو هداية الناس الي الطريق فقط. مازال الاب صامتا في حالة من الدهشة مما يفعله ابراهيم عليه السلام : الامر الذي اغري ابراهيم اكثر بأن يستحث عقل ابيه علي التفكير ويقيم عليه مزيدا من الحجة فقال : (ياابت لاتعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا ) واعتقد ان النبرة التي يتحدث بها ابراهيم مع والده قد علت بعض الشيء حينما حكم ان مايعبده والده انما هو الشيطان وهو ماكان يستوجب علي والده ان يرد فيقول انا لااعبد الشيطان وانما اعبد الاصنام التي عبدها قومي وابائي الا انه لم يرد ايضا. باب الرحمة وهنا يقابل ايراهيم عليه السلام بين مايعبده ابوه وبين مايعبد هو وكأنه يقول : انت انما تعبد الشيطان وانا اعبد الرحمن وفرق كبير بين الشيطان الرجيم والرحمن الرحيم ، وتأمل المقابلة اللطيفه بين الشيطان والرحمن مع ماتبعثه هذه المقابلة من تشجيع علي ترك الشيطان والاقبال علي الرحمن ، وتأمل كذلك باب الرحمة التي اراد ان يلفت ابراهيم نظر ابيه الي انه مفتوح امامه ان تاب واناب وقدر ان يقبل علي الله سبحانه وتعالي ، وكيف ان ابراهيم قد استخدم في مقام الدعوة الي الله سبحانه وتعالي مايبشرهم بمغفرة ذنوبهم ان تابوا وانابوا وكيف انه اختار من اسماء الله ( الرحمن ) ولم يختر ( القهار او الجبار او المنتقم ) مثلا . وكيف لنا نحن الدعاة ان نتعلم كيف تكون دعوة العاصين الي طريق رب العالمين ، وهذا المنهج انما هو نهج الانبياء جميعا في الدعوة الي الله سبحانه وتعالي ( ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ) و ( بشروا ولا تنفرو ....... الحديث) (ياايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) فالبشارة قبل الانذار والتيسير لا التعسير والحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن انما هي ادوات وسبل الدعوة عند الانبياء والمرسلين والداعين الي طريق رب العالمين . وهنا ازدادت درجة الحوار سخونة بقوله ( ياابت لاتعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا ) وحينما استشعر ابراهيم ذلك اراد ان يعود الي هدوءه ، وكأن والده قد نظر اليه بشدة حينما علت نبرة حواره فأراد ابراهيم ان يخبره انني ان فعلت ذلك فانما افعله خوفا عليك فقال : (ياابت اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) . نعم .. انا اخاف عليك فانما انت ابي الذي رباني ولك علي فضل كبير ومن حقك علي ان انصحك وان اخاف عليك من عذاب الله تعالي . وتأمل كيف ان ابراهيم قد عبر عن وقوع العذاب (بالمس) في قوله (ان يمسك) وكيف كرر اسم الله (الرحمن) وكأنه يقول لوالده انما الاله الذي ادعوك الي ان تعبده وتوحده انما هو اله رحمن رحيم لايحب ان يعذب عباده وفي نفس الوقت انت ضعيف لاتطيق ان (يمسك) عذاب منه فتكون نتيجته ان يغضب الله عليك الي الابد وتكون من اولياء الشيطان وفي ذلك الضياع كله ( فتكون للشيطان وليا). حوار ابراهيم وهنا وبعد صمت طويل رهيب قرر الاب ان يتكلم ... الان ستظهر نتيجة حوار ابراهيم مع ابيه فهل سيثمر الحوار وتأتي النتيجة التي يتمناها هذا الابن لوالده حينما يقرر ترك الاصنام والكفر ويذهب معه الي طريق التوحيد . بالفعل تكلم الاب ولكن بما لم يتمناه هذا الابن البار وكان اول مانطق به ان هدده بقوله : ( قال اراغب انت عن الهتي ياابراهيم لئن لم تنته لارجمنك واهجرني مليا ) ... ياالله ... الاب مصر علي كفره .. ياالله ... وكأن ماقاله ابراهيم له لم يدخل اذنه ولم يهز فؤاده ولم يحرك عقله. الاب يستنكر علي ابراهيم انه ترك الهته ويطالبه بالكف عن ذلك والرجوع الي عبادة الاصنام والا سيعاقبه بأشد انواع العقاب وهو الرجم ويطالبه بالانصراف والابتعاد عنه. ارأيتم قسوة كهذه في مواجهة شفقة ابراهيم عليه السلام ومع ذلك ولان ابراهيم الخليل عليه السلام قد ملأت الرحمة قلبه وعقله ولانه قد اجتمعت في قلبه من خصال الخير والحب والتسامح ماتجتمع الا في قلوب امة بأسرها كان الرد ( سلام عليك سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيا) . الاب يقول (لارجمنك) والابن يرد (سلام عليك) الاب يطالب ابنه بالانصراف والا سيؤذيه (واهجرني مليا) والابن يرد (ساستغفر لك ربي) حقا انها اخلاق الانبياء قدوتنا الي الله تبارك وتعالي . ارأيتم حوارا كهذا في غير القران . ارأيتم كيف يكون الادب في الحوار بين الابن وابيه ؟ ارأيتم كيف يقابل ابراهيم قسوة ابيه بالرحمة والشفقة والدعاء له؟. أبن مسلم وأب كافر لا ننسي ان هذا الحوار كان بين ابن مسلم واب كافر فماذا اذا كان الاب مسلما والابن كذلك مسلما . ان اعظم مافي هذا الحوار انه يعلمنا كيف يكون الادب وكيف لاينتهي الاكل في زمن انعدم فيه الحوار بين الابن وابيه وبين الاخ واخيه وبين الزوج وزوجته وبين حزب اخر وبين تيار واخر. أهدي لكم هذا الحوار عسانا نتعلم جميعا كيف نتحاور حتي وان اختلفنا وفي النهاية اقول (سلام علي ابراهيم).