»يضع سره في أضعف خلقه«! يبدو أن المثل الذي أثبتت الخبرات الاجتماعية بل والسياسية أحيانا أنه يصدق في كثير من الأحيان، سوف يتأكد صدقه أيضا في المختبرات التي يسعي القائمون عليها إلي النفاذ نحو مستقبل أفضل للبشرية! أنواع من الميكروبات الدقيقة سوف تكون بمثابة الحجر الذي لا يصيب عصفورين فقط، ولكن عدة عصافير تحلق بأجنحتها نحو غد أفضل للبشرية! هذه الميكروبات لا توفر فقط الفرصة لإنتاج وقود أخضر، لكنها تساهم في بيئة أكثر أمانا، وتبعد شبح الاحتباس الحراري، ثم انها تقدم فرصة تاريخية للاحتفاظ بالكهرباء وعدم هدرها، بل وتخزينها لحين الاحتياج لها! »ميثانوجينز«.. انها الكائن الميكروبي الذي يفتح آفاقا غير مسبوقة في عالم الطاقة النظيفة إلي جانب إمكانية تخزينها. فتح علمي رائع استطاع إنجازه علماء أمريكيون عبر استخدام مستعمرات الميثانوجينز لتحويل الكهرباء من مصادر متجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وحتي من الطاقة النووية إلي غاز ميثان نظيف خال من الكربون، الذي يعد بالتالي مصدرا رئيسيا للغاز الطبيعي. المثير حقا ان وصف »أضعف خلقه« ينطبق حرفيا علي الميكروب الذي يلعب دور البطولة المطلقة هنا، إذ أن »ميثانوجينز« تنتمي إلي مجموعة ميكروبية بدائية، دقيقة، وحيدة الخلية، تشبه البكتريا، وتتضمن نواة خلوية. كم هي ضعيفة حقا؟! لكن أيضا كم هي قادرة علي إحداث ثورة في عوالم الطاقة والبيئة؟! النتائج التي أسفرت عنها التجارب أغرت القائمين عليها بالتفكير في إقامة مصانع ميكروبية هائلة، قادرة علي إنجاز عدة أهداف في آن واحد. مصنع الميكروبات سيحول الكهرباء النظيفة إلي وقود ميثان متجدد ونظيف. ثم ان هذا المصنع يقدم حلاً غير مسبوق للتعامل مع فائض الكهرباء المتولدة من محطات الطاقة غير التقليدية، إذ يمكن في الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح والمفاعلات النووية استخدام الميكروبات لتحويلها إلي غاز ميثان قابل للتخزين لحين الحاجة لإستخدامه في عملية عكسية لتحويله إلي كهرباء مرة أخري! ولعل من أكثر ما أثار دهشة العلماء إكتشافهم ان ميكروب الميثانوجينز يكره الأكسجين، ويعشق ثاني أكسيد الكربون، وكنوع من المشهيات فإنه يتغذي أيضا علي الكترونات مستعارة من غاز الهيدروجين، ليكون الناتج في المحصلة النهائية غاز الميثان النقي. والآن، فإن خطط المستقبل أصبحت تتضمن استثمار هذا الاكتشاف كوقود لكل أنواع المركبات، ليس فقط ما يجري علي الأرض، ولكن أيضا الطائرات والسفن، ومن يدري ربما تكون وقودا في مرحلة تالية للمركبات الفضائية! الرهان المستقبلي يتمثل في إعادة هندسة الميثانوجينز من أجل إنتاج غاز الميثان علي نطاق واسع، حينذاك فإن البشرية سوف تكون بصدد ثورة هائلة في عالم الطاقة، وسيكون لها ثمار لا تقل أهمية علي الصعيد البيئي، عبر التقليل من المخاطر الجسيمة للاحتباس الحراري علي كل الكائنات الحية. ثمة خطوة فاصلة بين التجارب وتحويل الأحلام إلي جزء من الواقع، ولعل اجتياز تلك الخطوة مقترنا بالجدوي الاقتصادية المشجعة التي تجعل هذه التقنية محل إقبال، من شأنه تبديل الكثير من المشاهد المعتادة لعقود طويلة، الأمر الذي يحتاج إلي بذل الكثير من الجهود الابداعية لتجتاز الفكرة عتبة المختبرات إلي دنيا الواقع.