كان ذلك قبل سنوات عديدة. كنا في طائرة خاصة في طريقنا إلي الجزائر للمشاركة في المؤتمر الوطني الفلسطيني المنعقد هناك. كان في الطائرة رموز الحركة الوطنية بكل تياراتها من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار. قامات بحجم خالد محيي الدين وإبراهيم شكري ومحمد فايق وفريد عبدالكريم ونبيل الهلالي وعزيز صدقي واقرانهم، يومها تأمل المجاهد الوطني العظيم فتحي رضوان في ارجاء الطائرة ثم قال لنا: ألا تلاحظون أن هذه الطائرة وحدها فيها من الكفاءات ما نستطيع أن نؤلف منها عشر حكومات، كل واحدة منها قادرة علي النهوض بمصر. ومع ذلك لا نجد في الحكم إلا هذه الحكومات البائسة التي تأخذنا من السيئ إلي الأسوأ!! تذكرت المشهد وحديث فتحي رضوان وأنا أتابع تشكيل حكومتنا الجديدة.. والرشيدة بالطبع!! كان المشهد عبثيا بحق.. رئيس الوزراء القادم من المجهول يستقبل شخصيات مجهولة. واسماء يتم الاعلان عن تكليفها بوزارات معينة ثم تخرج في ظروف غامضة. وآخرون تسرعوا في الحديث عن البرامج التي أعددها لتطوير الوزارات التي تولوها قبل أن يكتشفوا أنهم في »الباي باي«! وفي النهاية يمتنع المرشحون عن الذهاب لرئيس الوزراء بعد أن اكتشفوا أن تشكيل الحكومة يجري في مكان آخر! ثم يصل المشهد العبثي إلي نهايته والحكومة تتأهب لحلف اليمين بينما البحث يجري لاستكمال التشكيل بوزراء يقبلون ملء الشواغر، وتبدو الدولة مثل تاكسي المحافظات في موقف أحمد حلمي وسائقه ينادي عن »نفر واحد للزقازيق«.. نداء لا يختلف عن »وزير واحد.. حتي نحلف اليمين«!! والنتيجة.. حكومة نرجو لها التوفيق، وإن كنا لا نتوقع النجاح من حكومة لا يمكن لعاقل أن يقول لنا إنها علي قدر التحديات التي نواجهها، والتي تتطلب حكومة سياسية قوية أو حكومة »تكنوقراط«، قادرة علي الانجاز.. وحكومتنا الرشيدة بعيدة عن هذين الاختيارين.. صحيح انها تعلن انفراد الإخوان المسلمين وضربهم بالسيطرة علي السلطة التنفيذية »وهذا حقهم«، ولكنها ليست الحكومة القادرة علي اتخاذ قرار سياسي! وصحيح انها تضم بعض الكفاءات الفنية ولكنها ليست حكومة »تكنوقراط«، بل حكومة موظفين من الدرجة الثانية ليس لديهم برامج ولا رؤية، بل هم في انتظار التعليمات لينفذوها. ولعل هذا هو المطلوب!! الميزة الوحيدة لهذه الحكومة انها تضع المسئولية كاملة في عنق رئيس الجمهورية بوصفه رئيس السلطة التنفيذية، وعلي الحزب الذي ينتمي إليه »حزب الحرية والعدالة« بعيدا عن أي حجج تتعلق بتضارب الاختصاصات. أما الصدمة فتأتي من أن الناس انتظرت »حكومة الأمل« التي تمثل الثورة بعد عام ونصف من قيامها، فإذا بها أمام حكومة موظفين لا تكتفي بمخاصمة الثورة والثوار، بل تطرح سؤالا لا ينبغي الهروب منه وهو: هل نحن أمام تحالف جديد بين حزب الرئيس وبين الحزب الوطني المنحل؟!.. قبل التسرع في الاجابة لاحظ من فضلك أن الحزبين لهما نفس العدد من الأعضاء في الحكومة الجديدة!!