لم يعد المخطط الامريكي خافيا ولم تعد النوايا الامريكية بالنسبة للشرق الاوسط غير واضحة، فقد اتضح المخطط الذي بدأ في عهد الرئيس الرئيس الامريكي بوش الابن تحت اسم الشرق الاوسط الجديد والذي يحمل في طياته المصير.. الذي ينتظر المنطقة العربية والذي روجت له كونداليزا وزيرة الخارجية وقتها لكي يتحول علي المدي المنظور الي واقع يخدم المصالح الامريكية ويحافظ علي الكيان الاسرائيلي. وكان الهدف هو: تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتكريس الانفصال لكي تتحول الكيانات العربية الكبيرة والدول القادرة الي دول مقسمة كما حدث في السودان وانفصل الجنوب عن الشمال وصار نموذجا لما تنويه امريكا تجاه الدول العربية وما تعمل علي تحقيقه بدون حروب.. فقد اكتشفت امريكا بعد غزو العراق انها لم تكسب شيئا باستخدام القوة العسكرية، وانما وصلت خسائرها الي قرابة التريليون دولار وخسرت حوالي نصف مليون من القتلي من جنودها ومع ذلك لم تصل الي هدفها من وراء الغزو وجري تقسيم العراق الي دولة للاكراد في الشمال ودولة للشيعة واخري للسنة في الوسط والجنوب وصارت مرتعا لعناصر الارهاب من القاعدة وغيرها وتحول العراق الي كيان مقسم منهوب الثروات ووجدت امريكا في النهاية ان الغزو بالقوة العسكرية لم يحقق شيئا من المخطط الموضوع وخرجت بجيوشها من ذلك المستنقع الذي استنزف اموالها وقواتها وتركت العراق في حالة من الفوضي السياسية والامنية الخارجة عن السيطرة. وجاءت بعدها ثورات الربيع العربي التي انفجرت ضد الانظمة الديكتاتورية والعسكرية في المنطقة ووقفت امريكا بجانبها بدعوي الديمقراطية وقامت بمساندتها ودعمها ماليا ومعنويا لكي تستغلها لتحقيق المخطط الامريكي واستهدفت مصر وتونس وليبيا واليمن واعتمدت علي التيارات المعارضة للانظمة القائمة علي مدي ثلاثين عاما واكثر.. وكانت تضع عينها علي التيار الاسلامي في مصر باعتباره القوة الفاعلة والقادرة علي الحشد وتحريك الجماهير في الشارع المصري واعتمدت علي ذلك الاسلام السياسي والذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين. ومن زاوية المصالح الامريكية اخذت امريكا تكثف اتصالاتها مع الإخوان بشكل مفاجيء علي مدي السنوات الاخيرة وتزايدت الدعوات التي كانت توجهها لقياداتهم والاجتماعات السرية التي كانت تتم في السفارة الامريكية في القاهرة لمناقشة التوجهات السياسية للجماعة باعتبار انها يمكن ان تكون البديل للنظام القائم الذي فقد قوته وسيطرته في السنوات الخمس الماضية وبينما في ذات الوقت زاد انتشار الاسلام السياسي في مصر وصار قوة مؤثرة في الرأي العام. وتأكدت امريكا بإمكان التفاهم مع الاخوان »الاسلام المعتدل« بديلا للتيار الاسلامي المتشدد الذي يسود في افغانستان مثل حركة طالبان وفي باكستان حيث خلايا تنظيم القاعدة الذي يضمر العداء لأمريكا ويعمل علي ضرب مصالحها.. والاهم من ذلك ان الاخوان يعتبرون اقوي تنظيم من »السنة« في المنطقة وبالتالي يمكنه مواجهة الخطر الشيعي القادم من ايران والذي يكن العداء المعلن لامريكا وكذا إسرائيل والذي يمثل تهديدا للمصالح الامريكية في منطقة الخليج ذات الثروات البترولية، ولذلك فانه كان من الضروري التصدي بالاغلبية السنية لخطر النظام الايراني الشيعي الذي تمتد اذرعه الي سوريا التي يحكمها نظام شيعي علوي وكذا حزب الله الذي يسيطر بقوته العسكرية علي لبنان، ولذلك فان وجود اسلام معتدل يمثل مصلحة امريكية وهو يتمثل في الاخوان المسلمين في مصر وفي القوي الاسلامية المحافظة التقليدية في دول الخليج والجزيرة العربية ويعتبر وسيلة استقرار في المنطقة يمكن الاعتماد عليها في مواجهة المد الشيعي الزاحف من طهران وهذا هو ما يفسر علاقة امريكا بالاخوان المسلمين باعتبارهم »الاسلام المعتدل« الذي يضمن لهم مصالحهم في حالة وصوله الي الحكم باعتباره الفصيل الاقوي. وكما يبدو فان امريكا تراهن في ظل الاوضاع القائمة علي الاسلام السياسي المعتدل »مثل جماعة الاخوان« وتري مصدر القوة والحشد في الشارع في مواجهة حالات العجز للقوي السياسية الاخري وضعف التيار الليبرالي رغم التقدم المفاجيء الذي حققه في الانتخابات الليبية الاخيرة، وتراجع التيار الاسلامي امام الليبراليين ومن هنا فان الاخوان امام اختبار صعب في المرحلة القادمة بعدما تولوا مسئولية الحكم كاملة بعد المرحلة الانتقالية ومازالت امريكا تراقب الموقف من جانبها ومن زاوية مصالحها الخاصة!. واتوقف امام اخطر ما في المخطط الامريكي من خلال ما تسرب من مصادر نافذة وهو: محاولة تفكيك الجيوش العربية باعتبارها مصدر القوة للدول العربية وقد تجلي ذلك في ليبيا وفي اليمن والدور قادم علي سوريا بعد تفكك الجيش العراقي بعد الغزو والاحتلال لسنوات.. فان امريكا قد لا تطمئن لوجود جيوش عربية قوية الي حد ما وتري في ذلك تهديدا للمخطط الموضوع لتقسيم المنطقة واعادة رسم خريطتها وتكديس الانفصال والتقسيم ولا يوجد في المنطقة الان غير الجيش المصري القوي الذي يمكن الوقوف في وجه ذلك المخطط السري. ويمكن ان يقال ان المنطقة تمر بمرحلة اشبه باتفاقية »سايكس بيكو« في اوائل القرن العشرين حينما جري تقسيمها ورسم حدودها بين بريطانيا وفرنسا في ظل حالة الضعف والفراغ السياسي العربي.. وصارت معظم الدول العربية واقعة تحت الاحتلال البريطاني، والفرنسي في اعقاب سقوط الدولة العثمانية التي كانت تحكم قبضتها علي المنطقة العربية في المشرق والمغرب.. وتحاول امريكا القيام بذلك من خلال المخطط الذي استغل ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن.. وقبلها حدث التقسيم في السودان والانفصال بين الشمال والجنوب.. ويبقي الجيش المصري محتفظا بقوته وقائما بدوره في المنطقة، وكما قال المشير حسين طنطاوي القائد العام رئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحة: إن الأمن القومي المصري واجب مقدس تحمل القوات المسلحة امانته!. واذا كان هدف امريكا من وراء تفكيك الجيوش العربية حسبما التقارير ان يبقي الجيش الاسرائيلي القوة العسكرية الوحيدة في المنطقة العربية فان ذلك لن يحدث في مواجهة وجود الجيش المصري وقدراته وتسليحه وباعتباره قوة الردع امام اي تهديد. ولكن الواقع ان امريكا تحرص علي وجود الجيش المصري قويا متطورا باعتباره حجر الزاوية في أمن المنطقة واستقرارها.. ولذلك تقوم بتزويده باحدث الاسلحة ومنها مؤخرا »صواريخ كروز« التي تعتبر اضافة الي القوات المسلحة والقوات البحرية.. ودليلا علي تطوير تسليحها وتحديثها.. وتعتبر »صواريخ كروز« الامريكية من احدث نظم الصواريخ في العالم!.