حشود الاحتجاجات والاعتصامات حول قصور الرئاسة، وخيمة أبوإسماعيل.. واستخدام اللحية كبديل لبطاقة الرقم القومي.. وانتشار الابتزاز باسم الأمر بالمعروف.. وغيرها من سافل ألوان الانحراف.. ليست المشكلة.. المشكلة ان تتحول هذه الممارسات لأمراض متوطنة أشبه بالبلهارسيا.. بسبب اعتماد حكامنا علي العلاج عن طريق »بوس الواوا«! لم يعد سرا أن ثقافة الاحتجاجات والاعتصامات والمطالب الفئوية قد اسفرت عن سلوكيات عجيبة علي المستويات الأدني.. وباتت لا تصدمنا ولا تدهشنا.. ولا تجعلنا نضرب كفا بكف.. ونحن نقول ونردد »لا حول ولا قوة إلا بالله«.. بل اننا بدأنا نستقبلها استقبال الزهور للربيع! خناقات عادية تستخدم فيها السيوف.. مشاجرات عائلية تستخدم فيها المدافع الرشاشة.. وفاة مريض في المستشفي يؤدي لضرب الأطباء.. واغلاق المستشفي تحسبا لإحراقها.. وحاجزو الجبانات في الجيزة يقتحمون ديوان عام المحافظة لعدم فوزهم في القرعة العلنية.. ولا يكاد يمر يوم واحد لا يتم فيه الاعتداء علي واحد من الشخصيات العامة.. وتمزيق ملابسه.. وان كانت المستشارة تهاني الجبالي لم تتعرض.. »بفضل الله« لتمزيق الملابس بسبب الخلافات بين أعضاء الاتحاد العام لعمال مصر حول مشاركتها في مؤتمر »ماذا يريد عمال مصر من الرئيس؟«. الطريف في موضوع المستشارة تهاني الجبالي القاضية بالمحكمة الدستورية العليا.. ان احد الحاضرين وقف مشيرا لها بكلمة »فلول« فإذا بالقاعة تنتفض رافضة وصمها بهذه الصفة المعيبة.. وحدث انقسام.. وتبادل الحاضرون التلويح بالأصابع.. وحدث هرج ومرج.. وتم الغاء المؤتمر الذي كانت قد دعت إليه المؤسسة العمالية في شبرا الخيمة.. وخرج الحاضرون من المؤتمر وهم يهتفون »مرسي.. مرسي« في اشارة إلي ان مهاجمة الدكتورة تهاني كانت لصالح الرئيس مرسي! علما بان المشير طنطاوي كان قد صرح في اليوم نفسه بان مصر للمصريين جميعا.. ولن نسمح بان تكون لجماعة معينة! شئ من الهرج والمرج يتكرر في بلدنا علي مدار الساعة.. منذ باتت الاعتصامات والاحتجاجات والمطالب الفئوية وخيمة أبوإسماعيل من العلامات المميزة لحياتنا اليومية.. ومنذ لاحظ البعض منا ان الحكومة تتعامل مع كل كارثة بأسلوب »بوس الواوا.. خللي الواوا بح«! ومع بعض الطبطبة.. وتطييب الخاطر.. من باب الدلع! وتعود هذه الفلسفة لسبب بسيط هو انه عندما تستخدم الحكومة نصيحة هيفاء وهبي.. فهذا يعني عجزها وضعف حيلتها واقول هيبتها وعجزها عن إحكام السيطرة علي المشاغبين من مواطنيها.. وان عجزها يدفعها في كل أزمة إلي الطبطبة تارة أو »بوس الواوا« لتجعل الواوا بح.. ويعود الأمن والأمان لقلوب العامة من أمثالنا.. ويزيد الأمر تعقيدا عندما نلاحظ ان جميع المشاكل التي استخدمت فيها الحكومة طريقة »بوس الواوا« قد تفاقمت وازدادت تعقيدا وانتشارا علي نحو ما فعله النائب السلفي علي ونيس الذي كان يبوس الواوا داخل سيارته ليلا في مكان آمن بسبب الحصانة وتيمنا بالسياسة الرسمية! لقد استخدمت السلطات الرسمية سياسة الطبطبة.. علي اساس ان الطبطبة.. هي مقدمات بوس الواوا! والمثير في الموضوع ان الحكومة تستخدم الطبطبة لمعالجة جميع الأمراض الاقتصادية والاجتماعية.. ابتداء من البطالة.. واغلاق المصانع والغلاء الفاحش.. وحتي السياسة الخارجية- فانت لا تسمع عن سياسة.. وإنما انت تسمع طرقات »الطبطبة«.. خذ مثلا العلاوة الاجتماعية الأخيرة التي تقدر بنحو 31 مليار جنيه سوف تتحملها الموازنة العامة للدولة بالكامل.. هذه العلاوة لن تحل مشكلة الغلاء ولا تدني المرتبات.. وإنما هي طبطبة علي ظهر 41 مليون مستفيد.. ومفهوم طبعا انها لن تجعل »الواوا بح«.. بل قد تؤدي إلي ظهور »واوات« أخري في أماكن مختلفة.. في جسد الأمة. خذ مثلا.. زيارة الرئيس مرسي لأديس أبابا.. وقوله بعد عودته إن مصر استردت مكانتها في قلب افريقيا.. بما يعني ان زيارة واحدة لحضور القمة الأفريقية في اثيوبيا.. قد أدت لاسترداد مصر مكانتها في قلب افريقيا.. وهو تطبيق رائع لفكرة »خللي الواوا بح«. أعود لموضوعنا.. وهو تواري هيبة الدولة.. وانتقال ثقافة الاعتصامات وأخذ الحقوق بالذراع. إلي كل ركن في مصر فأقول إن ثقافة العنف والبلطجة قد تعايشت للأسف الشديد مع الفكرة الثورية النبيلة التي حركت الحالة الثورية المجيدة التي اندلعت في 52 يناير 1102.. وبدأت الفكرة الثورية النبيلة تتعايش مع نقيضها من ألوان الانحراف واهدار القيم! الحالة الثورية التي اندلعت للقضاء علي الفساد والانحراف.. بدت تتعايش مع كل مظاهر الانحراف.. وبدأنا نري التعايش بين المبادئ الثورية.. الوطنية.. وبين كل مظاهر الفساد والعنف والانحراف وسافل الأعمال وأكثرها حطة.. وهي المظاهر والسلوكيات التي اندلعت الحالة الثورية للاطاحة بها.. وتجريمها.. وتوقيع العقوبات الرادعة علي مقترفيها.. ممن صغرت نفوسهم وهانت عليهم أوطانهم. وهنا يكمن الفرق بين »الثورة«.. وبين الحالة الثورية التي نمر بها.. فالثورة تقوم علي فكرة »الكل أو لا شئ« وهي لا تقبل انصاف الحلول وانصاف المبادئ.. وبالتالي فان الاضداد لا يمكن ان تتعايش في ظل الثورة.. ولا نستطيع ان نتصور تعايش الثورة مع النمط السياسي القديم الذي اندلعت الثورة من أجل الاطاحة به وإذا حدث ذلك فمعناه ان الثورة قد انحرفت عن أهدافها.. بل انها لم تنحرف عن أهداف الثورة فحسب- وإنما هي قد خانت الشعب وخانت المبادئ والقيم.. وقد سمعنا كثيرا عن »التهمة« التي صاحبت بعض الثورات.. وهي تهمة الانحراف عن مبادئ الثورة ورأينا قادة بعض الثورات يقدمون للمحاكمة بتهمة خيانة مبادئ الثورة وصدور السجن أو الاعدام ضدهم. أريد ان اقول ان الثورات لا تعرف الطبطبة.. ولا تعترف بحلول هيفاء وهبي »بوس الواوا.. خللي الواوا بح«.. ولذلك فهي تسير منذ اندلاعها علي الطريق المستقيم الذي لا يعرف التلاعب بالكلمات وأبيات الشعر.. وليس من المتصور ان يشارك الشعب في ثورة تستهدف التغيير والقضاء علي الفساد.. ثم تأتي إليه الثورة بنظام سياسي اشد فسادا واكثرا اهدارا للكرامة الإنسانية والحرية الشخصية.. وحرية الإنسان في ارتداء الملابس التي تتمشي مع احدث خطوط الموضة. وكلما واجهته معضلة وجد امامه من يبوسها.. حتي تنتهي وتصبح »بح«! بوس الواوا.. لا يحل المشاكل في ظل الحالة الثورية المجيدة التي نمر بها.. ولا يتعين تطبيقه خارج أسوار الأسرة السعيدة.. وعلي المستوي العائلي!