الحلقة الثانية من رسالة طارق عامر رئيس البنك الأهلي المصري حول قضية القطاع العام تركز علي متطلبات انجاحه واستعادته لحيويته وكفاءته.. إنه يري أن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر البسيط والسهل ولكنه ليس مستحيلا إذا ما توافرت المقومات الإدارية والتنظيمية والمادية. في هذا الإطار وعلي هذا الاساس فإنه من غير العدل ان نقوم بتقييم القطاع العام المصري بأنه لم ينجح بعد أن تركناه عرضة لمنافسة عاتية من مؤسسات دولية ذات قدرات هائلة بشرية ومادية وتقنية وكبلناه بقيود مانعة لنحكم عليه بالفشل. لا جدال اننا في مصر وللأسف قد اهملنا الإنسان و العامل البشري لسنوات طويلة ولم نستثمر فيه أي ناحية من النواحي الإنسانية والاجتماعية والفنية والتقنية والتدريب ثم نأتي اليوم لنطالبه ان يؤدي أداء اقتصاديا وإداريا ينافس به شركات دولية بعد ان تم فتح أسواقنا علي مصراعيها أمام منتجاتها من البضائع الأجنبية والخدمات. هنا فإنني اعتقد ان المشكلة الحقيقية لقطاعنا العام قد بدأت حين تم اتخاذ قرار صحيح في منتصف السبعينيات بالانفتاح الاقتصادي ولكن تم تطبيقه بأسلوب غير رشيد مصحوبا بتدخلات سياسية شديدة في شئون الاقتصاد مما أدي إلي الاندفاع إلي الانفتاح وليس بشكل تدريجي فتعرضت مؤسسات القطاع العام لمنافسة شرسة لم تكن مستعدة لها ولم تؤهل وتجهز لاستقبال تلك المنافسة باعادة هيكلة إدارية ومالية تكفل له الدفاع عن وجودها وسلامتها. لقد كان الأجدي حينذاك أن تتم عملية التحول نحو اقتصاديات السوق هذه تدريجيا لان الانفتاح السريع أدي إلي تأثر عدد كبير من المؤسسات تحت وطأة المنافسة الأجنبية ثم لحقتها موجة أخري من الخسائر في بداية التسعينيات عندما تم رفع الحماية عن الصناعة المحلية للقطاع الخاص وما تبقي من القطاع العام بما أدي إلي خسائر ثقيلة امام هجمة السلع المستوردة وكان نتيجة ذلك حدوث خسائر رأسمالية كبيرة في شركات القطاع الخاص وتوسعاتها الاستثمارية كما خسرت البنوك مليارات الجنيهات نتيجة القروض التي فشلت تلك المؤسسات في سدادها بعد ان تحول السوق إلي صالح الشركات الأجنبية المصدرة. وصولا إلي هدف الاصلاح وتحويل القطاع الخاص إلي اضافة حقيقية وايجابية للاقتصاد القومي فانه لابد من توافر العناصر التالية: يعتبر تحرير الإدارة أول وأهم المتطلبات لاصلاح القطاع العام إذ أن الادارة في وحدات هذا القطاع مكبلة بلوائح وقوانين كفيلة بافشال اساطين الادارة في العالم. معالجة هذا الوضع يتطلب منح قيادات القطاع العام سلطات اتخاذ القرارات الاستراتيجية والاستثمارية للتوسعات، بالاضافة إلي السلطات الإدارية في تسيير أمور المؤسسة. تيسير تدابير حرية إدارة الموارد البشرية فلا يمكن تحقيق أي اصلاح للمؤسسات في حين لا تستطيع إدارتها محاسبة العاملين بها عن الأداء. وبعد ذلك عندما تحدث الأزمات يتم انتقاد تلك الإدارة والمسئولين بها وعندما يحاسب هؤلاء المسئولين بدورهم العاملين تقوم القيامة في مجلس الشعب والصحف والنقابات صائحين »حقوق العاملين« ولكن دون أن يتم التساؤل عن »واجبات العاملين«. بالتأكيد فإن إدارة أي مؤسسة ونجاحها يحتم ان تكون إدارة العاملين فيها علي أساس الأداء وليس الأقدمية. لا جدال ان أي محاولة للاصلاح مع تدخل جهات سيادية ومحاكم إدارية تعطي الحق للعامل بصرف النظر عن تقييم إدارته له وعلي أساس حرمانها من ممارسة سلطة الادارة الرشيدة علي العاملين. فإن مشروع الاصلاح يصبح أمرا شبه مستحيل، علي اساس ان تصبح السلطة للموظفين والعمال بدلا من العكس وهو ما أدي إلي فقدان بوصلة توجيه الاستخدمات المثلي لمواردنا وضياع المسئوليات في المشاكل الإدارية والموضوعات التنظيمية. القدرة علي اتخاذ القرار، حيث كانت آفة إدارة القطاع العام في مصر ومازالت الخوف من اتخاذ القرار وتحمل المسئولية عن تبعاته، فمنذ الحكم الثوري في عام 2591 تم وضع المسئولين في العمل العام تحت طائلة عشرات الأجهزة السيادية والرقابية مما يعد سيفا ارهابيا مسلطا علي رقاب وممارسة عملهم خوفا من الخطأ، وإذا كان الإنسان سوف يخشي الخطأ فهذا معناه لا عمل ولا تقدم ولا نجاح. ان المطلوب هو اعطاء الادارة الحرية الكاملة في الاستثمار الجديد أو التوسعي بعيدا عن موازنة الدولة ومعاملة هذه المؤسسات كمؤسسات أعمال وتكون لها جمعيات عمومية حقيقية تحدد لها أهدافها. طارق عامر رئيس البنك الاهلي المصري تعقيب: ان ما جاء في هذا الجزء من الرسالة يعكس تجربة حقيقية لممارسة العمل والمسئولية في مؤسسات القطاع العام.. علي ضوء هذه التجربة يمكن القول ان فشل القطاع العام قد أدي إلي فقدان التوازن المطلوب وهو ما ترتب عليه تعرض القطاع الخاص إلي حالة من الاحباط أعاقت قيامه بمهمته مما دفع به إلي حالة الفوضي وان تتغلب عليه نزعة الاحتكار التي سادت الساحة الاقتصادية. وللحديث بقية