إبراهيم سعده الدولة المدنية الحديثة التي وعدنا الرئيس محمد مرسي بالالتزام بها في خطابه أمام جماهير ميدان التحرير لا تضع قيوداً علي قيام الأحزاب السياسية، ولا تضع شروطاً وحدوداً للحريات الفكرية والإبداعية والاجتماعية العامة منها والخاصة. هناك ضرورة لتعدد المواقف والبرامج والمعتقدات. فالشعب أي شعب لا يجمع عليها، ومن حق المواطن الذي يقتنع بواحدة منها أن ينضم إليها أو يتجه إلي غيرها. فمثلاً.. بعد ثورة 25يناير ظهرت أحزاب جديدة. واستردت أحزاب شرعيتها بعد أن كانت ممنوعة، وقامت أحزاب كانت محظورة، كما كشفت أحزاب عن علانية نشاطها بعد أن اضطرت خلال العقود العديدة الماضية إلي العمل سراً. ولكل حزب من هذه الأحزاب وسائله للإعلان عن برنامجه، نشاطه، وحقه في نقد الأحزاب المنافسة أملاً في جذب المزيد من الشعبية. أجهزة الإعلام القومية والمستقلة تقوم بواجبها في متابعة أنشطة هذه الأحزاب، ولا تتحرج من طرح رأياً أو موقفاً لأحدها تعلم مسبقاً أنه سيلقي قبولاً من البعض، وتنديداً أشد من البعض الآخر. وهذه هي المهنية في الأمانة الإعلامية التي تزهو بها الدولة المدنية. قبل ثورة 25 يناير.. هل كان أحد يتصور أن تظهر أحزاب وهيئات من أقصي اليمين، مروراً علي وسطه اليمين أو اليسار و وصولاً لأقصي اليسار؟! فلدينا الآن حزب النور السلفي الديني، من جهة، وأمامه الحزب الشيوعي المصري اللاديني. والحزبان المتناقضان يزاولان أنشطتهما بلا مطاردات أمنية واجراءات قمعية كانا يعانيان منها طوال القرن الماضي نتيجة المواد الدستورية والنصوص القانونية التي تحظر الأحزاب علي خلفية عقائدية، أو شيوعية. ما كان صعباً تصوره، أمس، أصبح اليوم واقعاً ملمومسا: مرئياً، مسموعاً، ومقروءاً. حزب النور السلفي ليس في حاجة للإعلان عنه. فهو الآن ملء السمع والبصر. قياداته ورموزه ودعاته رأيناهم بكثرة علي مقاعد البرلمان بمجلسيه و دفعوا بكبيرهم الشيخ حازم أبوإسماعيل مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وكان من الممكن جداً أن يفوز في انتخاباتها لولا أن استبعدته اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لأسباب قانونية معروفة. وإذا كان السلفيون فقدوا أعلي سلطة تنفيذية في مصر، فالأمل لديهم في الوصول إلي ثاني سلطة تنفيذية الحكومة القادمة ليكون لهم تواجد رئيسي في السلطتين: التشريعية والتنفيذية في آن. الحزب الشيوعي المصري في المقابل لم يرشح أحداً من رموزه في الانتخابات التشريعية ولا الانتخابات الرئاسية الماضيتين. ربما يتغير هذا مع الانتخابات القادمة. فالمهم الآن كما أعتقد أن الحزب الشيوعي يحتاج إلي المزيد من التعريف بنفسه، وطرح برنامجه، وعرض مواقفه مما حدث، ويحدث، وسيحدث في بلادنا تاركا للمواطنين حقهم في المقارنة بين ما يقوله الشيوعيون وبين ما سمعوه من السلفيين بصفة خاصة باعتبار تمثيلهما: لأقصي اليسار، من هؤلاء، ولأقصي اليمين ، من أولئك. التعريف بحزب السلفيين لا جديد فيه يمكنني التوقف عنده. الجديد فقط كما أراه في التعريف بحزب الشيوعيين الذي أعادته الحريات التي نادت ثورة يناير بها إلي النور بعد أن عاش طويلاً في الظلام، واستأنف بسرعة نشاطه السياسي ومشاركته بالرأي والفكر والخبرات المقارنة في كيفية تحقيق أحلام وآمال الشعب. والأمثلة علي ذلك كثيرة .. منها البيان الأخير الذي أصدره الحزب الشيوعي المصري المنشور في صحيفته غير الدورية: "الانتصار" معلقاً علي نتيجة الانتخابات الرئاسية، موجهاً 3 أسئلة "حيوية، عاجلة للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي كالآتي: [ هل سينحاز الرئيس الجديد وجماعته الي مصالح الجماهير الشعبية التي رفعت شعار "عيش .. عدالة اجتماعية"، والذي يقوم علي ضمان حقوق الكادحين من العمال والفلاحين والموظفين والبرجوازية الصغيرة وتأمين مستوي معيشة يليق بإنسانيتهم ودورهم المحوري في إنتاج الثروة وبناء نهضة البلاد وما يتطلبه ذلك بالضرورة من إقامة تنمية اقتصادية اجتماعية ثقافية معتمدة علي الذات ، ام انه سينحاز الي نفس السياسات النيوليبرالية للنظام القديم لصالح كبار رجال الاعمال والمستثمرين والطفيلية حسب مشروع النهضة المعتمد علي سياسات السوق الحر وتحرير الاقتصاد؟]. .. وللحديث بقية.