د. أحمد درة مهما كانت النتيجة التي ستعلن خلال الساعات القادمة لتكشف لنا عن اسم الرئيس القادم، أو اعادة الانتخابات لما قد تراه اللجنة العليا المشرفة عليها من ممارسات اخلت بقواعدها فوجب ان تعاد. ولعل الذين تابعوا واتفحصوا المشهد مليا يدركون الآن لماذ يشعر المرء منا بخيبة أمل وبالشيء المنقوص في العملية الديمقراطية برمتها، إذ ان البداية كانت ارتجالا وتسرعا للظفر بالسلطة ولم تكن الثورة قد اكتملت بعد، او حتي تبلورت اهدافها بشكل يتناسب مع بهرها وتميزها وتأثيرها المتوقع في المنطقة العربية بأسرها. ولو عدنا للوهلة الأولي التي انطلقت منها مسيرة الديمقراطية المنتزعة بثورة فإننا نلحظ انحرافها عن الاصول الثابتة في ديمقراطيات العالم الجديد، وحدث ان عبثت الايدي بالاوراق والعقول ايضا عبثت بالعقول والقلوب وتحول الامر الي صراع سياسي في ثوب ديني يحث الناس بل يدفعهم الي التصويت باسم الدين لاختيار الطريق، علي ان يكون طريق الجنة ان تجري الانتخابات البرلمانية أولا، ويؤجل الدستور الي ما بعد ذلك، وانسكبت اول زجاجة حبر علي المعاني الاصيلة للديمقراطية، وفي سبيل المكاسب الآنية، انصاع المعارضون من الاحزاب السياسية الناشئة والتيارات الثورية الخارجة من رحم الثورة الي كلمة الصندوق، والتي اسماها احد الشيوخ بغزوة الصناديق، كان هذا هو الخطأ الأكبر والافدح زاد من ارباك الاوضاع ووضع بذور الفتنة التي سوف تأتي بعد أيام. وكان في يقيني ان الاصابع الخارجية بدأت تعمل لاجهاض الثورة من خلال استنزافها في طريق سياسي غير صحيح وغير ممهد، وايد ذلك هذه الاغراءات البراقة والتي بدت في شكل معونات لجمعيات اهلية تدور من حولها الشكوك، وكذلك الاتصالات المعلنة والسرية لجماعة بعينها مع دول كبري تلوح بالاعتراف بما تقدمه الجماعة وحزبها في الصراع السياسي بل وبالمساندة والمؤازرة في أي معركة تخوضها الجماعة، وقد لاحظنا جميعا اللهجة المنذرة التي تحدثت بها وزيرة الخارجية الامريكية موجهة لوما ما للمجلس العسكري علي القرارات الاخيرة التي سحبت البساط من تحت أقدام الجماعة. وليس بخاف علي احد ان امريكا والغرب جميعا لهم مشروعهم الخاص ومصالحهم المرتبطة وثيقا مع اسرائيل وان اي تأييد منهم لأحد الاطراف لا يعني ان هذا الطرف سوف يكسب للوطن شيئا في النهاية ولا لنفسه لذلك فإن علي الملتحف بهم ألا يأمن فصل الشتاء. ومنذ تلك اللحظة ونحن نقف ونسعي علي ايدينا، فلم نر الطريق جيدا ولا اختبرنا بشكل جيد ارضنا السياسية التي سوف نتباري علي ثراها لكي يخرج قادة منا يحرسون الوطن ويقودون الشعب الي اهدافه وطموحاته الكبيرة. ضلت خطي الجميع طريقها الي رضا الله، الذي اوصانا سبحانه بحماية ارضنا ومستقبل ابنائنا والحفاظ علي دينه الذي ارتضاه لنا كما ينبغي لا كما يطمع او يبغي بعض الناس. وقد فتح الخطأ الاول والاصرار عليه ابواب جهنم علي الشعب المصري فأثار البغضاء والشحناء وكل من رفع عقيدته مطالبا بالدستور أولا ثم الانطلاق منه الي الغايات العظمي وجد من يتهمه بالكفر والالحاد، ولو انهم صبروا حتي يعرفوا لكان خيرا لهم ولمصر كلها، الا انهم عرفوا اليوم مصير العجلة وكيف انهار الدور الاول العلوي فوق رءوس الجميع، فهل نتحمل انتخابات تشريعية جديدة، وهل سيصبر عليهم الشعب اكثر من هذا انني اشك كثيرا في ان تعود الحالة النفسية للمصريين المتقبلة للصبر وبذل الجهد والعطاء والتضحية بنفس الروح التي كانت عليها في الايام الاولي للثورة وما اعقبها. اجل تعقد الموقف وازداد سوءا وحدة بين ابناء الشعب، لأن التجربة الاولي قسمتهم الي فريقين وفي كل فريق ما يدعو الي مزيد من التفتت والتشرذم، هكذا اندفعت بنا الطموحات المخبأة واصبح الانقضاض هو السبيل الوحيد ليفوز احد الفرقاء بمقود الحافلة »الوطن« وفي داخلها اناس يتنازعون بل ربما يقتتلون. اما هذه التصعيد الاخير فقد جاء ايضا نتيجة حتمية للمقدمات المغلوطة وامتهان الديمقراطية من لبانها، فكلا المرشحين للرئاسة لم يأت الي المقدمة بانتخابات ديمقراطية سواء داخل حزبه أو بالطريق الشرعي لاختيار رئيس جمهورية تم تصعيده سياسيا وليس وظيفيا أو بمباركة من الزعيم الروحي لجماعته، نحن امام حالة غير مسبوقة، يفرض فيها علي الشعب المصري ان يختار رئيسه بعد اول ثورة شعبية جارفة من بين شخصين مع احترامنا لهما، احدهما دفع به بعد تردد من قبل المرشد، والآخر ليس له ظهير الا هذا التيار الرافض لحكم الجماعة وما يخشاه من المضمر في الصدور. وستبقي هناك في الحلق غصة وشكوك وريب في القلوب، بسبب ما احيط بالعملية الديمقراطية من اساسها وفي نهايتها من انتهاكات كان آخرها ما اذيع عن منع قري باكملها من التصويت لاسباب طائفية، اتكون هذه ديمقراطية ويكون الرئيس رئيسا حقا. واعتقد ان هناك اسبابا اخري لا يتيح لها الوقت الآن.