ليس أعقد من حركة الشعب المصري إلا اختياره للزعيم الذي يقوده ويلهم خطاه، والزعيم غير الرئيس، الرئيس يحكم طبقا للمقاييس وللأوضاع، فالملك فؤاد ومن بعده فاروق كانا حكاما، لهم مهابة السلطة، لكن ليس لهما الطاقة الروحية للزعامة، الزعامة المطلقة الاسطورية توافرت شروطها لسعد زغلول ويعتبر الكتاب الرائع »سعد زغلول سيرة وتحية« والذي يقدم محاولة مبكرة لتفسير الشخصية المصرية إلي جانب انه ترجمة رائعة لشخصية زعيم ثورة 9191 والذي نصبه الشعب زعيما للثورة وهو يقترب من السبعين، لم يتم ذلك بسبب كاريزما زائفة أو قدرة علي طلاقة اللسان، أو حديث لا ينتهي عن الفقراء وأبناء السبيل، إنما عبر مواقف دقيقة ومتوالية، المشترك الأساسي فيها التضحية وخوض الصعاب، خاض سعد الخطر وعرف السجن والمنفي فأسكنه الشعب في مآقي العيون، وعندما منعت الرقابة الانجليزية ذكر اسمه تحايل المصريون فابتكروا النداء علي البلح الأحمر »زغلول يا بلح.. يا بلح زغلول«، كان مصطفي النحاس زعيما مصريا صميما من طراز مغاير لكنه صميم، ساندة الشعب وايده، الحاكم الوحيد الذي جمع بين خصائص الزعامة وأوضاع الرئاسة كان جمال عبدالناصر، وتلك حالة استثنائية فريدة في التاريخ المصري، اساس تكريسها المبادرة الي تجسيد الحالة الثورية، ومواجهة التحديات والاخطار والحرص علي الكرامة الوطنية والاستقلال الوطني، والأهم هو الانحياز إلي الاغلبية المصرية الفقيرة، ولكن تجربة جمال عبدالناصر التي وجهت اليها معاول الهدم والتشويه غير قابلة للتكرار بسبب عدم وجود جمال آخر واختلاف الظروف. ان آليات اختيار المصريين لزعمائهم في حاجة الي تفسير وشرح مع مراعاة المتغيرات العالمية والتقنيات الحديثة، ربما يتوهم المصريون سمات القيادة في شخص ما، لكن اطلالة تليفزيونية واحدة تطيح به لأن الحالة كلها زائفة، ستظل ظروف الثورة المصرية في حاجة إلي فحص، إلي تحليل، وفي رأيي ان الشخص الوحيد الذي كان مؤهلا لزعامتها بحق هو الدكتور محمد البرادعي، لو انه تحمل قليلا وصبر بعض الوقت واجتاز مواقف، غير انني احترم من يبتعد بقرار منه ويؤدي بما يتناسب مع قدراته، احترمه اكثر ممن يقترب متظاهرا أو مبديا ومؤديا بعض أعراض القيادة وفي الجوهر ليس له من الأمر شيء.