محمد بركات نحمد الله، ونشكر الظروف التي هيأت لصوت الحكمة والعقل أن يسود في مجلس الشعب، وأن يتمكن من نزع فتيل الأزمة التي أوشكت علي الانفجار في وجوهنا جميعاً، علي أثر الموافقة المتعجلة والمستغربة للجنة الاقتراحات والشكاوي بالمجلس، علي مشروع قانون خاص بإعادة تشكيل هيئة المحكمة الدستورية العليا، وتغيير اختصاصاتها. المشروع الغريب كاد يشعل نار الفتنة، ان لم يكن أشعلها فعلا بين مجلس الشعب والقضاة بصفة عامة والمحكمة الدستورية بصفة خاصة، بعد أن رفضته الجمعية العمومية لمستشاري المحكمة، واعتبرته تدخلا من السلطة التشريعية في شئون المحكمة، ومخالفة صريحة للدستور، الذي ينص علي أن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، لا يجب التدخل في شأنها، ويمتنع علي أي سلطة أخري التغول تجاهها. وقد نال هذا المشروع الغريب والمثير للشبهة حول أهدافه ومغزاه وتوقيته، رفض واستياء، بل واستنكار، كل المهتمين والمتابعين للشأن العام في الوطن، نظرا لما كشف عنه من محاولات مستهجنة للتدخل في شأن المحكمة الدستورية العليا، بالمخالفة للدستور وكل اللوائح والنظم والقوانين المنظمة لعملها، التي تجعل لجمعيتها العمومية حق الولاية في هذه الأمور كلها. وفي هذا السياق نأمل أن يكون المجلس قد استفاد من هذه التجربة، بما يثري الأداء البرلماني، ويدعم مهمته التشريعية لما فيه الحفاظ علي المصالح العليا للوطن، في اطار الدستور والقانون، ودون تغول من السلطة التشريعية علي أي سلطة أخري. ونحن في ذلك كله نؤمن بأن مجلس الشعب، بوصفه السلطة التشريعية المنتخبة بإرادة شعبية حرة، وفق انتخابات نزيهة، وتحت إشراف قضائي كامل، يجب أن يكون هو الأكثر حرصا علي استقلال القضاء، ومنع أي محاولة للمساس به، أو التدخل في شئونه.