محمد وجدى قنديل لا يمكن لأحد ان يتجاهل عمق العلاقات المصرية السعودية فإن لها خصوصيتها النابعة من روابطها الأخوية والمستمدة من جذورها التاريخية بين الشعبين.. ولا يمكن لأحد أن ينكر المساعدات التي تقدمها المملكة ووقوفها إلي جانب مصر في ظروفها الصعبة - بعد ثورة يناير - ولذلك فإن هذه العلاقات تعلو فوق كل الأزمات العابرة - والتي قد تكون ناتجة عن سوء الفهم وعدم العقلانية - ولكنها سرعان ما تزول. وفي مثل حالة أحمد الجيزاوي المصري المتهم بتهريب أقراص مخدرة في مطار جدة وإحتجازه للتحقيق ولولا أن التطورات العفوية من جانب متظاهرين مصريين حول السفارة السعودية في القاهرة والقنصليتين في الإسكندرية والسويس إلي حد لا يمكن احتماله من التطاول، لما قررت المملكة استدعاء السفير أحمد قطان وإغلاق السفارة والقنصليتين لمنع تفاقم الأمور وإحتواء التصعيد الذي كان يهدف إلي افتعال الأزمة! والواقع أنه كانت عناصر مغرضة ومدفوعة - ومنهم حركة أبريل وغيرها - قد قامت بشحن المتظاهرين أمام السفارة وتصوير القضية علي انها سياسية وليست جنائية وأنها مدبرة ضد المحامي المصري.. وإطلاق دعاوي كاذبة عن سوء معاملة المصريين العاملين في السعودية، ولابد ان نحذر من مؤامرات خارجية وداخلية للإساءة إلي العلاقات المصرية السعودية ومنها دول عربية. ولذلك قام المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي بإجراء اتصالات مع خادم الحرمين الملك عبدالله والمسئولين السعوديين لإحتواء الأزمة ومعالجتها بعقلانية ومن منظور الروابط الأخوية.. وجاء تحذير المجلس الأعلي من عواقب الإضرار بالعلاقات المصرية السعودية في رسالة لها مغزي وبعنوان »إلا السعودية« وأشار إلي أن بعض الأقلام المأجورة لجأت إلي استغلال الحالة الثورية التي تعيشها مصر بعد ثورة يناير للاضرار بالعلاقات مع الرياض عن طريق بث شائعات بشأن تدخل المملكة بالضغط علي مصر لمصلحة الرئيس السابق وبعد فشل هذه المحاولات بدأوا في العزف علي وتر اضطهاد المصريين بالسعودية وهو ما لم يحدث في أي وقت! ويكفي ان نعلم أن هناك مليوناً و004 ألف يعملون في المملكة وفي مختلف المجالات ولا يتعرضون لمشاكل ويلقون.. معاملة متميزة من السلطات السعودية، وهناك أفضلية للعمالة المصرية علي غيرها من جانب شركات المقاولات.. وكما ذكر السفير قطان: أن اربعة آلاف حالة فقط لهم مشاكل مع »الكفيل« وهي نسبة محدودة بالمقارنة مع حجم العمالة المصرية الموجودة! وقد لمست ذلك خلال زياراتي للسعودية ووجدت ان شركات المقاولات تفضل تشغيل المصريين - رغم أجورهم المرتفعة - علي باقي الجنسيات مثل بنجلاديش.. وعندما كان الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع - أميراً لمنطقة الرياض - كان يخصص وقتا في مكتبه بالإمارة لمقابلة المصريين وبحث شكاويهم وطلباتهم ويقوم بحلها بنفسه رغم مشاغله..! لاشك أن العلاقات المصرية السعودية تكتسب أهمية خاصة وتشكل حجر الزاوية في الاستقرار في المنطقة، وكل من مصر والمملكة بثقلها ووزنها السياسي والاقتصادي تعتبر الركيزة للأمن القومي العربي، ومن منظور أن الأمن القومي المصري يتصل بأمن الخليج وبنفس الدرجة التي يمثلها الأمن القومي للسعودية وباعتبارها. أكبر دول مجلس التعاون الخليجي ولديها القدرة الاقتصادية والتأثير الدولي السياسي.. وهناك مكانة روحية خاصة عند الشعب المصري تجاه السعودية باعتبارها ارض الحرمين الشريفين في مكة والمدينة حيث تهفو الافئدة الي اداء الحج وزيارة العمرة بالملايين كل عام ولذا أقول: أنه كان لابد من احتواء الأزمة العابرة بأسرع ما يمكن وكان لابد من إزالة اثارها وتفهم أبعادها.. وقد جاءت زيارة الوفد البرلماني والشعبي المصري للرياض في وقتها المطلوب للتعبير عن المشاعر الأخوية والعلاقة الخاصة التي تربط ما بين مصر والسعودية.. وأتوقف بالاهتمام امام ما أكده خادم الحرمين الملك عبدالله - خلال لقائه مع الوفد في الرياض - عن ثوابت تعبر عن موقفه ومشاعره: أن علاقات البلدين والوشائج. التي تربطهما قائمة علي وحدة الدين ونصرته في الحق، وانه ليس لأي سحابة عابرة ولا يمكن لكائن من كان أن يعبث بهذه العلاقات. أن العلاقات مع مصر لها أولوية ولا نسمح لأي فئة ان تلغيها او تهمشها وإذا كان هناك عتاب فيدخل من باب العقلانية لعلاج اي التباس في العلاقات. أن مصر بهمومها وآمالها وطموحاتها لها في قلب المملكة مكانة كبيرة والعكس صحيح وأن ما حدث في الآونة الأخيرة من تداعيات للعلاقات بين البلدين أمر يؤلم كل مواطن سعودي ومصري شريف.. وما قرارنا باستدعاء السفير وإغلاق السفارة إلا لحماية منسوبيها في أمور قد تتطور لما لا يحمد عقباه. أعرب الملك عبدالله عن سعادته لحضور الوفد البرلماني والشعبي المصري وهو يعبر عن مكارم الأخلاق المستمدة من عقيدتنا الإسلامية، وأمام هذا الموقف النبيل لا يسعني إلا أن أقول أننا لن نسمح لهذه السحابة العابرة ان تطول - وبالفعل عاد السفير وأعيد فتح السفارة - وأعرب الملك عبدالله عن أمله ان يقف الإعلام في البلدين موقفا كريما »ويقول خيرا أو يصمت«! ومن هنا أقول: نعم.. إلا السعودية.. فإنها ومصر السند القوي للآخر في المنطقة بالثقل السياسي والاقتصادي، وتحرص السعودية علي عدم التدخل في الشأن المصري إلا بالخير، ولعل مبادرتها بإيداع مليار دولار وديعة في البنك المركزي المصري لمدة ثماني سنوات شاهد علي ذلك.!