يوسف القعيد ظهر الخميس الماضي قابلت علي باب سجن مزرعة طرة جورج اسحاق وحافظ أبو سعدة وناصر أمين. كانت معنا موافقة النائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود لكي نقوم بزيارة المحبوسين احتياطياً علي ذمة قضية أحداث العباسية. استقبلنا اللواء عبد الله صقر. مدير سجون المنطقة المركزية. زرنا ثلاثة سجون: ملحق المزرعة، عنبر الزراعة، سجن القاهرة للمحبوسين احتياطياً. وقابلنا كل الموجودين بملابسهم البيضاء المكتوب علي ظهرها: تحقيق. واستمعنا إليهم وتكلمنا معهم باعتبارنا لجنة من المجلس القومي لحقوق الإنسان زارتهم لرفع تقرير للمجلس عن حالاتهم. أشاد الجميع بحسن المعاملة في طرة بسجونها الثلاثة من حيث الوجبات والمعاملة والعلاج وتطبيق الشروط الإنسانية التي تحفظ للإنسان كرامته حتي وهو في حالة حبس احتياطي. لكني عُدتُ وفي الفؤاد غصة وفي الضمير إحساس بالذنب. فرغم ما قاموا به فالسجن هو السجن. لاحظنا علي من زرناهم: أنه ما زال يوجد طلاب بينهم لم يتم الإفراج عنهم رغم ما أُعلن في وسائل الإعلام من الإفراج فوراً عن الطُلاب. خصوصاً أننا في أيام امتحانات ومن يتخلف عن الامتحان ربما تنتظره سنة أخري يعيدها لمجرد عدم الإفراج عنه. رأينا كثيراً من الإصابات التي تركت جروحاً في أجسام المحجوزين. بعضها يمكن القول أنها وحشية. وشكواهم أنها لن يتم إثباتها في محاضر رسمية حسب ما جاء في أقوالهم. وأنها صاحبت عملية القبض عليهم من قِبل الشرطة العسكرية. عدد من المحبوسين لم يكن مشاركاً في المظاهرات. وتواجد في مكان الأحداث. إما بدافع الفضول أو لتوقف المواصلات. وأُلقي القبض عليهم بشكل عشوائي لمجرد صدفة تواجدهم في المنطقة. عدد منهم أُلقي القبض عليه بتهمة كسر حظر التجول. ولأنهم كانوا في الشارع. فلم يعرفوا بقرار الحظر. والبعض منهم أُلقي القبض عليهم قبل سريانه. والبعض الآخر بعد سريانه بدقائق معدودة. مع أن مراعاة الظروف في هذه الحالات مطلوبة. إن تطبيق القانون مسألة مهمة. ولو جعلنا من مصر دولة قانون لاسترحنا من كثير مما نعانيه. ولكن مراعاة ملابسات حياة الناس مسألة مطلوبة. شكوا من بطء الإجراءات. لدرجة أنهم يعتقدون بأن أمرهم في طريقه إلي النسيان. وقد يتحولون من محتجزين إلي معتقلين ويطلبون فقط سرعة الإجراءات. ومراعاة ظروف الحبس. أيضاً فإن حجزهم مع المجرمين الجنائيين مسألة لا بد من إنهائها فوراً. محمود فؤاد المصري. قصاص وشاعر. عضو نادي الأدب بقصر ثقافة المطرية. لأن قصر ثقافة نجيب الريحاني مغلق. نشر قصة في العدد الأخير من مجلة الشباب التي تصدرها الأهرام. واصطحب صديقه وائل علي محمد. معهد فني هندسة إليكترونيات للبحث عن العدد الأخير من المجلة المنشور به القصة. وكان بيد القصاص أوراق فيها بعض كتاباته الأخيرة. وكانت خطتهما أن يجلسا علي أحد المقاهي ليقرأ لصديقه ما كتبه بعد العثور علي المجلة. تم القبض عليهما عند تقاطع شارع رمسيس وشارع مصر والسودان. تم أخذ الأوراق التي بيد القصاص وقيل أنها منشورات. حاول أن يشرح لهم أنها أعمال أدبية كتبها كان سيقرأها لصديقه ولكن لم يستمع أحد لما قاله. واعتبر مشاركاً في الأحداث. مع أنه تواجد في مكان قريب من ميدان العباسية لهدف لا علاقة له بالتظاهر أو غيره. وهو الآن ومعه صديقه محتجزان في طرة بتهم كثيرة منها: كسر حظر التجول والمشاركة في الأحداث وحيازة منشورات تكدر الأمن العام. لقد تحدانا المساجين أننا قد لا نستطيع الكتابة عن آثار الاعتداءات عليهم. وكل منهم ينكر التهم الموجهة إليه. ولكن ها أنذا أكتب معبراً عن انزعاجي الشديد من حجم التجاوزات التي تمت في التعامل معهم. بصرف النظر عن كونهم ثوار ذهبوا للتعبير عما يؤمنون به ويتصورون أنه لصالح مصر أو أنهم شباب استخدموا من قِبل قوي تتصارع علي أقدار مصر واستخدمت ميدان العباسية وأحداثه من أجل هذا الصراع الذي لا يعرف من كانوا موجودين في الميدان أنهم مجرد أدوات فيه. إن الأمر الآخر الذي يستلزم تحقيقاً شفافاً وسريعاً هو قصة مسجد النور في العباسية واقتحامه والقبض علي المصلين فيه. أكثر من التحقيق هو إعلان نتائج هذا التحقيق وبسرعة. لأن العدل البطئ نوع من الظلم. عن نفسي أنا شديد الإنزعاج مما جري في العباسية وأعتقد أنه نوع من استعراض العضلات بين قوي سياسية أرادات أن تقول للقوات المسلحة نحن هنا. وأنا ضد أي محاولة لاقتحام وزارة الدفاع التي لم تحاصر في كل تاريخها إلا مرة واحدة عقب هزيمة عرابي سنة 1882. وكان من قاموا بالحصار هم قوات الاحتلال الانجليزي وهي قوات عدوة. لكن علينا أن نتعامل مع المقبوض عليهم خاصة الشباب منهم بأكبر قدر من الحنو والحب وافتراض حسن النية. وعدم تحويلهم إلي آخر نجد أنفسنا في حالة حرب معه لن يفوز منها أحد. بل إن الجميع هم الخاسرون. في طريق العودة شاهدنا علي كورنيش النيل أطفال وصبيان يرفعون صور محمد مرسي المرشح للرئاسة. كانوا علي شكل موكب من آخر المعادي حتي أول القصر العيني وفضلاً عن انتهاك الطفولة. فإن كثافة الأطفال ذكرتني بحملات هتلر وموسليني عند ترشحهما في بلديهما. صرخ جورج إسحاق: لماذا لا تكتبون عن هذا الانتهاك؟ قلت له نحن نكتب المشكلة من يقرأ ما نكتبه؟.