تساؤلات حقيقية حول ما حدث ويحدث بين مصر والمملكة السعودية، وهل هناك أزمة حقيقية أم أنها أزمة وهمية وسحابة صيف سرعان ما تنتهي، فقد تداعت الأمور وتصاعدت علي نحو سريع وصلت الي قرار الملك عبدالله ملك السعودية بسحب السفير السعودي من القاهرة دون سابق انذار وفي خطوة متسارعة. وفي المقابل كان قد تم سحب السفير المصري علي خلفية المحاسبة علي تصريحات إعلامية له!! وهي اشارة الي تدهور العلاقات بين البلدين طبقا لما هو مستقر عليه في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين أو أي بلدين. فهل مجرد القاء القبض علي المواطن المصري المدعو أحمد الجيزاوي في السعودية كان هو السبب الحقيقي لانفجار الموقف بين البلدين؟! أم ان هناك أسبابا أخري كامنة تقف خلف مشهد ذلك المواطن المصري؟! بعيدا عن التهويلات الضخمة لحالة هذا المواطن حيث نشر وأذيع أن المواطن المذكور قد القي القبض عليه لتنفيذ حكم بالسجن والجلد بتهمة العيب في الذات الملكية السعودية، وأنه تم الجلد فعلا تنفيذا للحكم وعقوبته.. الخ. كما نشر وأذيع ان هذا المواطن قد رفع دعاوي ضد المملكة، وأنه وجه الانتقادات وصلت الي حد الشتائم للملك والمملكة، ليتبين ان هناك استهدافا وتربصا بهذا المواطن. وبمتابعة الأمر اتضح أن اغلب ما نشر وأذيع عن حالةالمواطن غير حقيقي. وأن المواطن متهم بشهادته وتوقيعه حمله لعدة آلاف من اقراص المخدرات المحظورة في المملكة، وأن هناك شريكا سعوديا سيتسلمها، وقد ألقت السلطات السعودية القبض عليه تمهيدا لمواصلة التحقيق ومعرفة الحقيقة وذلك يوم الاثنين 03 ابريل 2102. ولذلك فإنه بالتمحيص والتدقيق في حالة المواطن المذكور، أن هناك مبالغة كبيرة وتضخيما لا حدود له لا يستحق في جميع الاحوال ان يصل بالعلاقات بين البلدين الي التدهور السريع والمفاجئ بصورة غير مسبوقة. اذن فان السؤال ماذا حدث ويحدث ويمكن ان يحدث مستقبلا؟! في تقديري فان المسألة اكبر من حالة المواطن المذكور، الذي استغل كذريعة للتعبير عن الغضب المكتوم في نفس الشعب المصري ووجدانه خلال الخمسة عشر شهرا الماضية منذ اندلاع ثورة 52 يناير وخلع حسني مبارك. فوفقا لما ترسب في نفوس المصريين والقوي الثورية، أن موقف السعودية كان مؤيدا وداعما لحسني مبارك خلال الايام الاولي للثورة من 52 يناير 11 فبراير 1102، في نطاق حرص المملكةعلي الاستقرار، حفاظا علي مصالحها وتحالفاتها الاقليمية والدولية، وما يمثله مبارك لها من رمزية للاستقرار، حتي لو كان هذا ضد شعبه، كما ان المعلومات المتوافرة ان السعودية كانت قد تدخلت لاستضافة مبارك وأسرته، مثلما حدث مع بن علي التونسي وأسرته، وانها تدخلت ايضا للافراج عنه بأي ثمن والاعفاء من المحاكمة، وأنها وعدت بتقديم مساعدات عاجلة للشعب المصري بالاتفاق مع المجلس العسكري والحكومة المصرية، مقابل انهاء محاكمة مبارك واعفاء اسرته. كما أنها تدخلت للحيلولة دون محاكمة سوزان مبارك رأس الحربة في عمليات الفوضي والعنف في مصر الآن وان المملكة لا تترك فرصةالا وسجلت شكرها وامتنانها لمبارك ونظامه كذلك فان المملكة قد دفعت بالاموال الي ساحة الانتخابات لقوي دينية رفعت الاعلام السعودية في ميدان التحرير وربوع مصر، الامر الذي ساهم في تزكية التيارات الدينية لدي الناخبين من زاوية قدرتهم علي الدفع لبعض جماهير الشعب المصري في اطار »رشوة سياسية« ومن ثم ترسب في وجدان الشعب المصري، أن المملكة لعبت دورا سياسيا في دعم الاتجاهات الدينية الوهابية لتمكينهم من الوصول الي الحكم، ولعبت دورا سياسيا في دعم نظام مبارك وأسرته وممارسة الضغوط للحيلولة دون محاكمته رغم فشل ذلك الا أنها مازالت تمارس الضغوط للحيلولة دون صدور حكم بالاعدام، ظنا منها ان كل شيء مستباح في مصر بعد الثورة!! لاشك ان هذه هي الخلفية المترسبة في وجدان الشعب المصري لمجاملة المملكة وملكها بل والاسرة الحاكمة علي خلفية دورها الواضح في محاولة اجهاض ثورة الشعب المصري.. ومن ثم جاء تحرك بعض فئات الشعب اثر تفجر مسألة المواطن احمد الجيزاوي، لتجسد حقيقة ماهو متجسد في الوجدان، وليس تجاوبا مع حالة الجيزاوي وتفاصيلها. فأراد الشعب المصري ان تصل رسالته الي المملكة السعودية، تعبيرا عن غضبه المكتوم طوال 51 شهرا دون تنفيس الا اختيار اللحظة المناسبة وقد كانت حالة احمد الجيزاوي، حالة ملائمة لهذه التحركات الشعبية التي ذهبت الي السفارة السعودية للتعبير عن الغضب والافراج الفوري عن أحمد الجيزاوي وأمثاله من المواطنين المصريين الملقي القبض عليهم دون محاكمة وعددهم حسب كلام وزير الخارجية المصري كامل عمرو (43) حالة، كما امتدت المطالبات الي فتح ملف العلاقات المصرية السعودية واعادة النظر فيها علي خلفية الثورة. وفي هذا المقام اشير الي اهتمامي باحوال المصريين في الخارج خلال فترة شرف نيابتي في البرلمان (5002/0102) ومن ضمن ما عرضته في البرلمان حالة الطبيبين المصريين اللذين حكم عليهما بالجلد 08 جلدة اسبوعيا!! وبعد اصراري علي مناقشة الموضوع وسط رفض رئيس البرلمان فتحي سرور آنذاك أدرج الطلب في جدول اعمال لجنة العلاقات الخارجية، وفوجئت بحذفه، وتحويله الي لجنة الشئون العربية وتقرر حذفه ايضا، وعرفت ان السفارة السعودية قد تدخلت واتصلت برئيس المجلس د. سرور، واتصالات من رئاسة الجمهورية الامر الذي اوقف مناقشة موضوع يتعلق بالطبيبين المصريين وغيرهما، داخل البرلمان المصري بحكم التدخل السعودي النافذ في القرار المصري إبان فترة حكم مبارك. الآن مصر تعيش ثورة جديدة، تتطلب رؤية جديدة داخليا وخارجيا وان القوي الخارجية عليها ان تتعامل مع مصر بمنهج وأدوات مختلفة بعيدة عن التهديدات التي سيرفضها الشعب المصري. ولا شك ان عدم تغيير السياسة الخارجية المصرية حتي الآن، والانفتاح علي قوي جديدة كايران، هو الذي جعل الآخرين ومنهم المملكة السعودية تتعامل مع مصر الثورة باعتبارها امتدادا لنظام مبارك رغم سقوط رأسه فقط. ولاشك ايضا ان المملكة قد ادارت الموضوع بطريقة استعلائية خاطئة وعالجت الموضوع كرد فعل لمتظاهرين غاضبين علي خلفية الموقف السعودي من الثورة، تحت السبب الظاهري فوريا بإنهاء ملف هذا المواطن الجيزاوي ليكون سببا في التصالح السعودي مع مصر الثورة حتي لو كان هذا الجيزاوي مخطئا، فان العفو الملكي تقديرا للشعب المصري وثورته قد يكون فاتحة التصالح الحقيقي وانهاء الازمة الحقيقية، وظاهرها انها مفتعلة ولكن باطنها ملئ بالغضب المستعر. وكما كان موضوع الجيزاوي سببا لخروج المصريين للتعبير عن غضبهم تجاه المملكة، فان هذا الموضوع قد يكون سببا لازالة كل الرواسب ومعالجة تراكمات الغضب لدي الشعب المصري، بقرار ملكي أترقبه ومعي كل القوي الثورية. ولازال للحديث بقية، والحوار متصل ومستمر.