كثيرون أنا أحدهم ننتظر إعلان حيثيات الحكم الذي أصدرته إحدي المحاكم بحبس الفنان عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان بنفس اهتمامنا بانتظار الاطلاع علي حيثيات الحكم في قضية ثانية نظرت أمام محكمة أخري وأصدرت حكمها برفض الدعوي التي أقامها أحدهم ضد فنانينا ومبدعينا: الكاتب وحيد حامد، والمخرج محمد فاضل، والكاتب لينين الرملي، والفنان عادل إمام، واتهامهم بازدراء الدين الإسلامي. حيثيات الحكم في أي قضية تفسر مواد القانون التي استند إليها القاضي في إدانة المتهم أو تبرئته. الجديد في القضيتين أن من قدم بلاغاً لرفع دعوي "ازدراء الدين الإسلامي "الأولي هو نفسه رافع دعوي "ازدراء الدين الإسلامي" الثانية. ليس هذا فقط بل إن المتهم الوحيد في القضية الأولي الفنان عادل إمام هو نفسه المتهم في القضية الثانية مع آخرين. ورغم انطباق وتكرار الاتهام لنفس المتهم في الدعويين إلاّ أن المحكمة الأولي أدانت عادل إمام في حين أن المحكمة الثانية رفضت الدعوي وبرأت فناننا الكبير! لا أريد أن "أفتي" في اختلاف الحكمين حتي لا أتهم بالتدخل في السلطة القضائية، والأسلم أن أنتظر إعلان حيثيات الحكم في القضيتين لعل فيهما ما يبرر الحكم بالبراءة أو الإدانة. وقد سبقني في ذلك المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر الأسبق قائلاً لبوابة الأهرام " إننا حتي الآن لم نقرأ أسباب الحكم علي الفنان عادل إمام، ولا يجوز أن نحمل القضاء أكثر مما يحتمل، خاصة عندما تكون القضية منظورة فعلينا أن ننتظر الحكم النهائي لمعرفة حدود الحريات، وهل ستتأثر الأعمال الإبداعية جراء تلك الأحكام من عدمه". أما الأستاذ محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي فمن رأيه أن "الحكم الصادر ضد الفنان عادل إمام يشير إلي خطورة استخدام القضاء في محاكمة الإبداع والفن، فالقضاء يفصل في النزاعات وليس لكبت الحريات". كما أعجبني ما كتبه د. محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومؤسس حزب "الدستور" في تدوينته علي موقع تويتر مطالباً بأهمية أن ينص الدستور الجديد علي "ضمانات حقيقية لحرية العقيدة والتعبير". قد يقول قائل إن الحكم بإدانة عادل إمام أو تبرئته من "ازدراء الإسلام" أخذ من " اللت والعجن" وقتاً لا يستحقه. فقد قرأت لأحدهم دفاعاً عجيباً عن حبس فناننا الكبير الذي أساء كما يزعم للإسلام وعلماء المسلمين بسلسلة أفلامه التي تهكم فيها علي كل شيء وأي شيء يقوله أو يفعله الحريصون علي دينهم والمدافعون عن كرامة علمائه. ليس هذا فقط بل أضاف هذا "الناشط الإسلامي" كما يصف نفسه، تساوياً مع "الناشط السياسي": مطالباً باحترام حق أي مواطن في اللجوء إلي القضاء ضد أي معاد للإسلام وأي ساخر من علمائه (..). ويسمح لي هذا "الناشط " أن أذكّره بأن لا أحد من بين رموزنا المبدعين أدبا،ً وفكرا،ً وفناً من أراد، أو يريد، الإساءة من قريب أو بعيد بكلمة أو ريشة أو لقطة سينمائية أو مشهد مسرحي للدين الإسلامي، أو المسيحي، أو اليهودي، أو البوذي، أو حتي الإلحادي. فالمبدع أي وكل مبدْع عاشق للحرية لا لنفسه وإنما أيضاً للآخرين. ومن يحرص علي حقه الإبداعي في نقد، أو تأييد، أي شيء وكل شيء هو نفسه الذي لا يحجر علي آراء وأفكار من ينتقدهم ومن يؤيدهم. وعملاً بالرأي والرأي الآخر.. رأينا أنصاف الآلهة في هذه الأيام يسحبون مخالفيهم في الرأي إلي ساحات المحاكم واتهامهم بما ليس فيهم.. فلماذا يصمت "المتهمون المزعومون" علي جرجرتهم للقضاء بعد اتهامهم افتراء وانتقاما وترويعاًً بازدراء الدين والسخرية من علمائه ودعاته؟! .. و للحديث بقية.