استغفر الله العظيم.. قالها سائق التاكسي الشاب وهو يشخص الي فتاة لا تتوافر فيها، طبقا لما لقن، متطلبات عفة متدرجة تبدأ من ضرورة تغطية شعر »الحريم« الي تغليفهن في سرابيل سوداء.. تقي الرجال شر فتنتهن. وقبل ذلك ببرهة، كنا، الشاب وانا، قد تلاقينا لقطع الوقت في توافق عبر حوار عفوي حول تنعمنا »ببدع« العصر الراهن.. المتمثلة في ما لا يعد ولا يحصي من اختراعات وردت إلينا من انحاء المعمورة، وان بلدا عظيما كالصين، اصبح ينتج ويصدر جل هذه المنافع التي غدا من المحال الاستغناء عنها، وان تفوقه هذا لابد وان يكون تحقيقا لارادة ربانية تفوق مفاهيم المشتغلين بالفرز بين خلقه، شاءت ألا تجعل الناس امة واحدة فصرفت بينهم رحمة تسعهم جميعا علي مختلف مشاربهم. وانطلاقا مما كان من توافق سابق بيننا، نبهت السائق الصغير الي مخالفته لما أقر به توا عن حكمة الله في التنوع بين بني البشر، فرؤيته للفتاة، استخرجت تناقضا في نفسه، واشرت الي ما سبق ان سلمنا به من ان الدنيا علي اتساعها تهدر بالخلاف والاختلاف، بل يسري ذلك بين سكان البلد الواحد وحتي بين افراد الاسرة الواحدة، فالناس ليسوا نسخا متطابقة من بعضهم البعض، ولن يختاروا بارادتهم ان يكونوه، وان فرض ذلك عليهم فرضا، اسوة بما حاولت النظم الفاشية تعميمه، فان ذلك يزهق ميزان العدل الذي قام عليه ناموس الحياة ويكون مصيره فشلا فذوبانا في بالوعة الزمن. هذا التضاد في فكر الكثير من شبابنا، يبرز الانفصام الذي تلبسهم بسبب التجاذب بين اعمال عقولهم وبين امتثالهم مغناطيسيا لما لقنوا اياه باعتباره من الثوابت التي لا تقبل نقاشا ولا بحثا، وهو ما مكن هؤلاء الملقنين من غزو مساحة لا يستهان بها من العقول في مجتمعنا وتغيير نمط الشكل العام لافراده الذين تخلوا رغم تمسكهم الاكيد بالوسطية الرحيمة النابعة من الاصل الطيب لهذا الوطن، عن حريات شخصت بأنها موبقات فسادت فيه اشكال متضاربة تعكس مرحلة لفقدان جزء من الهوية الوطنية. وما كان الذي يمكن لهذا الشاب الطيب قوله لو امكنه رؤية السيدة عائشة بنت طلحة بن عبيد التيمي، الصحابي الجليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين رشحهم عمر بن الخطاب لخلافته، وامها هي اخت عائشة بنت ابي بكر »رضي الله عنهم« وهي صحابية دافعت عن حقوقها ورفضت ان يفرض عليها احد أمرا لم يفرضه القرآن، وكانت مضربا في الجمال، ولكنها لا تستر وجهها من احد، تعتز بأنوثتها وتلبس أجمل الثياب. تزوجت ثلاث مرات وكان الصحابة يطلبونها لجمالها وعقلها الراجح فقد كانت اديبة عليمة بأخبار العرب واشعارهم، وكانت لا تهاب أحدا، وعندما اراد زوجها ابو مصعب بن الزبير عتابها علي تبرجها غيرة عليها قالت له: ان الله سبحانه وتعالي وسمني بمسيم الجمال فأحببت ان يراه الناس، فيعرفون فضلي عليهم، فما كنت لأستره.. ويروي ابن اسحاق عن ابيه: دخلت علي عائشة بنت طلحة وكانت تجلس وتأذن كما يأذن الرجل.. ومرت يوما في المسجد وعليها ملحفة فرآها ابوهريرة قال: »سبحان الله كأنها من الحور العين« وقال انس بن مالك لها »ان القوم يريدون ان يدخلوا اليك فينظرون الي حسنك«! قالت »أفلا قلت لي فألبس حسن ثيابي«. فالمسلم من نطق الشهادة، ومن سلم المسلمون من لسانه ويده، وحرام دمه وماله وعرضه علي المسلمين.