منذ سنوات طويلة جدا ونحن نتذكر فكرة المحكمة الرياضية كلما تفجرت في الوسط الرياضي مشكلة تحتضنها المحاكم المدنية وتذهب وتجيء بالافراد والمؤسسات الرياضية حسب تدرج درجات التقاضي من احكام واستشكالات وطعون ورد محاكم وتنفيذ وعدم تنفيذ وجدل قانوني يزيد الخصومات استفحالا.. وخلال هذه المشاكل والازمات نرفع جميعا شعارات »لا بديل عن المحكمة الرياضية«.. كالعادة تسير الكلمات والشعارات في طريق »اتجاه واحد«.. فلا أحد يسمع أو يري أو يتكلم لكي يرد علي الصاروخين والمستغيثين من هول حجم ونوعية القضايا الرياضية المتداولة في المحاكم وايضا حجم حركة الادارات تنفيذا للاحكام ذهابا وايابا.. حتي باتت الادارة الرياضية في مصر تمارس عملا رئيسيا لا يمت للرياضة في شيء ويستحوذ علي النصيب الاكبر من الجهد والفكر والتخطيط في »تستيف« الاوراق والمستندات ومراقبة الخصوم لبعضهم البعض وتصيد الاخطاء وزرع الفتن وتضليل وسائل الاعلام ونفاق المؤسسات الرياضية المسئولة وتأسيس معارضة تلتقي مع الادارة في هدف واحد هو تهميش الاهتمام بشئون الرياضة. وامامنا امثلة كثيرة تعبر عن هذه الاجواء المنفلتة والمشوشة والتي تركت الرياضة والملاعب الي اروقة المحاكم والغرف المغلقة التي تطبخ المؤتمرات وتبتكر في الايقاع بالآخر بينما تعاني الرياضة نفسها من التبلد والرتابة والافتقار للابتكار.. نري ذلك بوضوح في الازمات الساخنة والعميقة مثلا في اتحاد الكرة واتحاد الجمباز والزمالك ونادي الشمس.. بلاغات ومحاضر ودعاوي قضائية وأوراق رسمية »ملعوب فيها« تحمل في طياتها النقيضين الصح والخطأ.. وتترجم عبقرية المسئولين في الأندية والاتحادات في القدرة علي النفاذ من ثغرات القانون واللوائح.. واذا كان القانون واحد لا يتغير واللائحة رسمية ومعتمدة ونابعة من الجمعيات العمومية فلماذا تتعدد التفسيرات والتأويلات وتتنوع الاحكام القضائية ويتبادل الخصوم الذهاب والمجيء من والي مواقع الادارة. لا يوجد لدينا تفسيرات واضحة لغلبة التناقض علي الثوابت.. صحيح ان درجات التقاضي واتاحة الفرصة للاستشكال والطعون رحمة كبيرة بالمظلومين الذين يمكن ان تجرفهم المؤامرة وتحولهم الي ضحايا.. الا ان ذلك محكوم وتحت السيطرة في القضايا البعيدة عن الرياضة والتي غالبا ما تكون قاصرة علي اطرافها دون ارتباط عميق بالرأي العام وبنشاط له خاصيته العمومية مثل النشاط الرياضي.. علاوة علي ان القضاء المدني لا تربطه علاقة وطيدة بالرياضة بحيث نطمئن الي انه يسوعب تماما طبيعتها وظروفها وروح قوانينها ولوائحها الخاصة. من هنا يأتي ذكر المحكمة الرياضية كحل بديل واقعي خاصة ونحن علي علم مثلا بأن قضايا الكرة عندم تتجاوز الحدود وتخرج من سيطرة الفيفا فانها تذهب الي المحكمة الرياضية الدولية.. ربما الاغلبية مقتنعة بذلك وربما ايضا الجهات المسئولة اكثر اقتناعا لكن لا يملك اي منها القدرة علي البدء.. صحيح هناك افكار متداولة وجدل يختفي ويظهر من حين لآخر، لكن كيف ومتي ننفذ.. هذا ما يتوقف عند حدوده حماس الراغبين في تحرير الرياضة من الكعب الداير في المحاكم.. هناك »كسل« عام في تحويل الفكرة الي تطبيق عملي، وهو كسل طويل وغريب حتي لو افترضنا ان الفكرة نفسها سوف تثبت الدراسة انها عقيمة ولن تحل المشكلة.. المهم ان الامر يتطلب ان نثبت ذلك بجهد في البحث والدراسة وليس باطلاق الآراء والاحكام المبتورة والمرسلة.. ولا مانع من ان نفكر في بدائل اخري.. حتي لا ترسخ امرا واقعا لا يناسبنا رغم قدرتنا علي تغييره.. الفكرة سهلة.. بينما التنفيذ صعب.. هذه حقيقة من السهل ان يقرر مسئول او اعلامي ان الخلاص يأتي من المحكمة الرياضية.. ومن الصعب ان يقرر لنا كيف؟.. وهذه الصعوبة يمكن تداركها بمواجهة مباشرة علي مائدة واحدة يعرض فيها المؤيدون والمعترضون وجهات نظرهم للخروج بنتيجة.. بدلا من الاشارات المتبادلة من بعيد في صفحات الصحف وبرامج التليفزيون.. من المستحيل ان تبني نظاما بالمراسلة وعبر آراء متناثرة في وسائل الاعلام.. وخلال هذه السنوات الطويلة لم نسمع عن اجتماع أو مؤتمر جاد وحقيقي عن مدة جدوي المحكمة الرياضية.. واعتقد ان المجلس القومي للرياضة الآن هو الاكثر جدية عما سبقه من جهات ادارية في الرغبة ان يكون للرياضة نظام خاص للتقاضي، وهو مستعد لان يبدأ ويقلع بهذا القطار المتردد ويجمع شتات الافكار لتسير في موكب واحد وفي طريق سالك وواضح. ويمكن ان نضع اساسيات للتفكير.. ونسأل عن تشكيل هذه المحكمة.. أي نوعية من الاعضاء والقضاة.. هل الاصلح اختيار المشتغلين منهم في الحقل الرياضي وهن كثيرون جدا.. ام من الاصلح ان يختلط معهم الرياضيون المتخصصون في القوانين واللوائح الرياضية وهم يوميا يعرضون آراءهم علينا في وسائل الاعلام علي ان يقدموا ما يثبت انهم يحملون شهادات أو دراسات أو خبرات في اللوائح الرياضية.. وهو الفارق بينهم وبين لجان التظلمات والانضباط والادارات القانونية في الاندية والاتحادات.. وهل تأثير الانتماءات سيطول هؤلاء القضاة وهو امر واقع لا يجب علينا اخفاؤه.. فالذي يحكم من المنصة ربما يكون ضميره شبيها بضمير حكم في الملعب تؤثر فيه الميول.. فهل يكون الاختيار صعبا ويحتاج الي تدقيق في الشخصيات المختارة حتي لا يأتي التغيير شكليا فقط.. وكذلك الي اي جهة سوف تنتمي المحكمة الرياضية لهرم المؤسسة الرياضية أم لهرم مؤسسة العدل؟.. ومن يصدر القرار بالاختيار.. الهرمان معا ام احدهما.. ثم هل القانون يسمح بذلك وهل صحيح ان القضايا الرياضية ممنوعة اصلا من الذهاب للمحاكم المدنية؟.. واذا كانت عادتنا سوف تجرنا الي مساحة واسعة من الجدل يضيع الوقت، فان علينا ان نعمل ونجتهد وندرس باستفاضة وجدية ثم نقول رأيا محددا في النهاية.. واعتقد انه في ابسط الاحوال ربما تكون نار المحكمة الرياضية بأهوائها وانتماءاته ولا جنة الاحكام المدنية خاصة ان الانتماءات ربما تكون مشتركة بينهما.