محمد وجدى قنديل حدث الصدام الثاني عندما اكتشف عبدالناصر بنفسه التنظيم السري للإخوان الذي شكله سيد قطب وذلك لاغتياله وقلب الحكم لماذا حدث الصدام الثاني والأخير بين عبدالناصر والإخوان في عام 5691؟ ولماذا انقلب أعضاء الجماعة علي النظام بعد الإفراج عنهم وتصفية المعتقلات؟ ولماذا دبروا ثلاث محاولات لاغتيال الرئيس عبدالناصر رغم أنه أصدر قرارا بالعفو عنهم وإعادتهم إلي وظائفهم؟ وماذا كانت خطط الجهاز السري الجديد للإخوان؟ لقد ارتكب الإخوان خطأ فادحا ولم يتعلموا دروس التاريخ ولم يأخذوا العبرة من الماضي عندما وقع الصدام الأول بينهم وبين مجلس قيادة الثورة في أزمة مارس 4591 وجرت محاولة اغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، ودفعت الجماعة ثمن التآمر علي مدي سنوات ودخل الإخوان السجون والمعتقلات.. وأراد الرئيس عبدالناصر فتح صفحة جديدة بعد مرور عشر سنوات - في عام 4691- وتصور أن الإخوان قد استوعبوا الدرس وتخلوا عن العنف واتجهوا إلي الدعوة والفصل بين الدين والسياسة، ولكنه بعد رفع الأحكام العرفية وتصفية المعتقلات اكتشف عبدالناصر أن الإخوان- وبالذات جناح سيد قطب الذين اتبعوا تعاليمه في كتابه »معالم علي الطريق«- يدبرون المؤامرات لقلب نظام الحكم واغتيال رموزه، ولذلك كلف شمس بدران- مدير مكتب المشير عامر والرجل القوي- بالتحقيق في القضية وأن تتولي المباحث الجنائية العسكرية ذلك بدلا من وزارة الداخلية التي تبين تقصيرها في متابعة القضية وكشف عناصر التنظيم السري الجديد للإخوان! وكما عرفت من شمس بدران أن عبدالناصر كان يتابع التحقيقات بنفسه مع المتهمين من التنظيم الجديد! بعد الإفراج عن سيد قطب بدأ التنظيم السري للجماعة في تجنيد الخلايا التابعة له، وكانت هناك معلومات أمام الرئيس بأن كتاب »معالم علي الطريق« يعاد طبعه ووافق علي ذلك وتكرر الأمر بعدها ثلاث مرات خلال ستة شهور وفي المرة الرابعة أعاد عبدالناصر قراءة الكتاب وأرسل منه نسخة إلي جهاز المباحث العامة وقد كتب عليها بخط يده »هناك تنظيم جديد للإخوان.. للتحري«.. فقد اكتشف بحسه من مجرد قراءة الطبعة الجديدة أن هناك تنظيما يعمل في سرية.. ولم يجد بعدها بدا من الاستعانة بالمباحث الجنائية العسكرية بعد تقصير المباحث العامة وهكذا تولي الجيش التحقيق في هذه القضية ووضع يده علي خلايا التنظيم وجرت حملة اعتقالات في السجن الحربي وكشفت التحقيقات عن خطط موضوعة لعمليات نسف وتخريب للكباري والمنشآت العامة في القاهرة! كان كتاب »معالم علي الطريق« بمثابة برنامج عمل التنظيم الجديد للإخوان ورؤيتهم بأنه مجتمع جاهلي وغير ذلك من الأفكار.. وهو ما يتطابق تماما مع أفكار جماعات التكفير والهجرة بعدها وكذا الجماعات الإسلامية.. ووافق الإخوان في عام 56 علي الكتاب من قبل قراءته باعتباره أمرا صادرا من المرشد العام، ولو أن البعض من الاخوان القدامي قالوا أن فيه مخالفات للإمام حسن البنا وكان السؤال الأساسي بينهم هو: جمال عبدالناصر.. مسلم أم كافر؟ وعلي ضوء الاجابة تم تقويم جميع أعضاء جماعة الإخوان الجدد! وفي 7 أغسطس 56 كان الرئيس عبدالناصر يلتقي مع الطلبة العرب في موسكو وأعلن في خطابه عن ضبط مؤامرة جديدة للإخوان وقال: بعد ان رفعنا الأحكام العرفية منذ سنة وصفينا المعتقلات وأصدرنا قانونا لكي يعودوا إلي أعمالهم.. نضبط مؤامرة وسلاحا وأموالا وصلت إليهم من سعيد رمضان من الخارج، وهذا دليل علي أن الاستعمار والمرجعية بيشتغلوا في الداخل..! وبعدها نشرت تفاصيل مؤامرة الإخوان الجديدة! خطط لاغتيال عبدالناصر لقد كشفت التحقيقات عن أبعاد المؤامرة ومنها: 1 إدخال بعض الإخوان كضباط في القوات المسلحة وتم بالفعل إلتحاق عدد منهم بالكلية الحربية وتم تخريجهم وتوزيعهم علي بعض أسلحة الجيش، وتم الاتصال ببعض الإخوان في الجيش والشرطة، والذين كانوا شبابا في عام 4591. 2 التدريب علي استخدام الأسلحة وتم عمل معسكرين في جمصة وفي بلطيم وكانت هناك ترتيبات معينة للسفر والإقامة واستكمال كلمة السر والأسماء المستعارة وغير ذلك من احتياطات الأمن اللازمة.. 3 عمل قسم للمخابرات في التنظيم لجمع المعلومات والمراقبة والإخفاء واستخدام الشفرة عند الحاجة واستعمال الأسماء الحركية للأشخاص وتم تدريب الإخوان في بعض المناطق علي طرق جمع المعلومات وإبلاغها إلي قياداتهم.. 4 تدريب الشباب علي صناعة القنابل والمتفجرات.. والاتفاق مع عناصر الإخوان في الخارج علي إدخال الأسلحة المطلوبة.. وترتيب التمويل من الخارج عبر قنوات سرية.. ووضع خطط في التنظيم لاغتيال جمال عبدالناصر..! وفي اجتماع سري جري بين علي عشماوي وسيد قطب في رأس البر عرض عشماوي: عندنا قوات وأسلحة تصمد أمام الجيش- ولم يكن سيد قطب علي علم بذلك- وتكفل عشماوي بتأمين عملية اغتيال جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وزكريا محيي الدين وشمس بدران للتخلص من رؤوس النظام..! وكان تدريب الخلايا يتم علي ثلاث مراحل: مرحلة الإعداد الروحي.. ثم الإعداد الجسدي بالمصارعة والمشي وكذا بالسمع والطاعة وأخيرا الإعداد العسكري بالتدريب علي السلاح.. وكان للتنظيم أجهزته لجمع المعلومات، وآخر للاستطلاع وثالث لجلب المراسلات والأموال من الخارج.. ورابع لشراء السلاح وتخزينه في القاهرة، وخلية كيماوية لصنع المواد الحارقة والمتفجرات، وأخري من المهندسين لمعاينة الأماكن التي يتم نسفها طبقا لخطة موضوعة! وبالفعل وضعت خطط لنسف وتفجير عدد من الكباري والمصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومبني التليفونات وبعض مراكز الشرطة والمباحث العامة بقصد إحداث شلل في جميع المرافق وقد أعدت خرائط تم ضبطها لهذه المواقع كلها وحرق عدد من دور السينما والمسارح لإحداث الذعر والفوضي وهذا يؤدي إلي سقوط النظام! وكذلك وضع التنظيم السري للإخوان أكثر من خطة لاغتيال الرئيس جمال عبدالناصر، واحدة منها أثناء موكبه الرسمي في القاهرة أو في الإسكندرية وكان هناك من يراقب سير الموكب في أماكن مختلفة.. ووضعت خطة أخري لنسف القطار الذي يستقله الرئيس في طريقه إلي الإسكندرية للاحتفال بعيد الثورة.. ووضعت خطة ثالثة لاغتياله في شارع الخليفة المأمون وهو في طريقه إلي بيته في منشية البكري..! وكانت الخطط معدة أيضا لاغتيال المشير عامر ونواب رئيس الجمهورية، وعندما بدأ القبض علي بعض الخلايا صدرت التعليمات بالإسراع في عملية اغتيال عبدالناصر ولكنه سافر وقتها من الإسكندرية إلي السعودية، وكلف التنظيم إسماعيل الفيومي من حرس الرئيس ليتولي بنفسه عملية اغتياله عند عودته من جدة إلي مطار القاهرة! وكان سعيد رمضان- وهو حلقة الوصل بين التنظيم وبين الذين يقومون بتمويله من الخارج - قد قام بتحركات مريبة وتنقل عدة مرات بين بيروت وطهران وبين بعض العواصم الأوروبية وكان سعيد رمضان يسافر بجواز سفر دبلوماسي أردني كسفير متجول.. وقد تبين من التحقيق أن هناك مبالغ كبيرة وصلت إلي التنظيم بالعملات الأجنبية - بالدولار والاسترليني- ويبدو ان هذه المبالغ كانت معدة لتسهيل هرب أعضاء التنظيم بسرعة إذا ما انكشف أمرهم! وكان سيد قطب قد كلف علي عشماوي باستلام الأسلحة المهربة من السعودية عن طريق السودان ولكنه تراجع عن ذلك متي يوجد الطريق المأمون! دور سيد قطب هكذا بدت ملامح المؤامرة- مؤامرة التنظيم الجديد للإخوان- ودور سيد قطب رئيس التنظيم في محاولة قلب نظام الحكم وفي خطط اغتيال الرئيس عبدالناصر وقيادات النظام بدعاوي التكفير التي كان يروج سيد قطب لها.. وكان سيد قطب محكوما عليه بالسجن 51 سنة في قضية الإخوان عام 4591 وأفرج عنه عبدالناصر بعفو صحي في عام 4691 ولكن تبين انه خلال وجوده في السجن كان علي صلة بقيادة التنظيم الجديد وكان يمدهم ببرنامج موضوع عن طريق شقيقته حميدة وحينما أفرج عنه بدأ مباشرة اجتماعاته معهم..! أما محمد يوسف حواش فقد اختاره سيد قطب ليكون نائبا له ورئيسا للتنظيم عند غيابه، وقد زامل قطب في السجن وأفرج عنه بعفو صحي واتفق معه علي الترتيب لتجميع الإخوان في تنظيم جديد يقوم بانقلاب.. وأما علي عشماوي المسئول عن التدريب والسلاح ورئيس تنظيم القاعدة فقد تولي تجنيد أعضاء الجهاز السري وتدريبهم علي السلاح.. وسافر إلي السعودية بناء علي طلب الإخوان الهاربين هناك واتفق معهم علي القيام بانقلاب ضد نظام الحكم علي ان يتولوا تمويله وتزويدهم بالسلاح وطلب تحضير المواد الناسفة والمتفجرات لتدمير المنشآت وأشرف علي تجاربها وكان مسئولا عن تنفيذ خطة اغتيال رئيس الوزراء وتسلم أموالا من زينب الغزالي في أعقاب اعتقال سيد للبدء في تنفيذ العمليات! وأما فاروق المنشاوي قائد عمليات التخريب في القاهرة والمسئول عن التنظيم بالجيزة فقد كان مكلفا بالقيام بعمليات النسف والتفجير بالقاهرة عقب إعلان ساعة الصفر وهي اغتيال الرئيس في الإسكندرية! وحسب اعترافات علي عشماوي: »في لقاء مع سيد قطب في بيته، كنا مجلس القيادة الخمسة وكان أحمد عبدالمجيد معه كشف بالمطلوب اغتيالهم وهم الرئيس والمشير عامر وزكريا محيي الدين وعلي صبري ومدير المخابرات ومدير المباحث وبعدها اتفقنا علي انه لو اغتيل الرئيس عبدالناصر وعلي صبري نبقي نجحنا ووافق سيد قطب علي ذلك! وكما جاء في شهادة زينب الغزالي فإنها تقول أنه كان هناك تنظيم جديد للإخوان بدأ الاتفاق عليه في السعودية عام 7591 وتحت موافقة المرشد حسني الهضيبي عليه ورشح سيد قطب للإشراف عليه وتولي العمل فعلا وانه تمت عملية مسح للمحافظات استمرت سنوات لتجنيد أعضاء التنظيم الجديد، وانتهي الأمر إلي عدم الاعتراف بشرعية حل جماعة الإخوان في عام 4591 وهذا يبرر مشروعية تصرفاتهم في مواجهة الحكومات المختلفة! وان الهضيبي قد أوكل كل المسئوليات إلي سيد قطب فكانوا يتصلون به حسب أمر المرشد، واعتقل قطب فكان عليهم ان يرجعوا إلي المرشد العام! وفي نوفمبر 7691 بدأ الرئيس عبدالناصر الإفراج بالتدريج عن المعتقلين من الإخوان - عدا الذين كانوا أعضاء في الجهاز السري والتنظيمات المسلحة- وكان عددهم أقل من ألف شخص، ليفتح صفحة أخري مع الإخوان! أبوسعده والمصيدة! الأربعاء: إنه واحد من قادة حرب أكتوبر الذين صنعوا التاريخ.. إنه قائد معركة الدبابات الشهيرة ضد القوات الاسرائيلية في سيناء.. انه حسن أبوسعدة الذي منعت فرقته تقدم قوات الجنرال آدان في هجومها صوب كوبري الفردان إلي ضفة القناة الشرقية ووقع في الأسر عساف ياجوري قائد اللواء المدرع الإسرائيلي وكانت هزيمة موجعة لوزير الدفاع موشي ديان! لقد بدأت الضربة المضادة الاسرائيلية صباح يوم 8 أكتوبر - بعد عبور المدرعات المصرية- ضد قوات الجيش الثاني في المنطقة من »القنطرة شرق« إلي »الإسماعيلية شرق«.. ووجد اللواء سعد الدين مأمون قائد الجيش الثاني في مواجهته فرقتين مدرعتين، احداهما في المنطقة شرق القنطرة بقيادة الجنرال آدان، والأخري علي الطريق الأوسط في اتجاه الإسماعيلية بقيادة الجنرال شارون ولكنها ليست علي اتصال مباشر بقوات الجيش الإسرائيلي.. كان الوضع العام لقوات العدو- من وجهة نظر هيئة العمليات المصرية- أن فرقة آدان المدرعة تواجه قوات الجيش الثاني بينما فرقة الجنرال مندلر المدرعة تواجه قوات الجيش الثالث، أما فرقة شارون المدرعة فهي احتياطي الجبهة الجنوبية الاسرائيلية لتعزيز هجوم إحدي الفرقتين في مواجهة الجيش الثاني أو الجيش الثالث.. بدأت فرقة آدان المكونة من ثلاثة لواءات مدرعة »حوالي 003 دبابة، ووحدات أخري بالهجوم ضد الفرقة 81 بقيادة فؤاد عزيز غالي في قطاع القنطرة بلواء مدرع، وضد الفرقة الثانية بقيادة حسن أبوسعدة في قطاع الفردان بلواء مدرع آخر بغرض اختراق المواقع المصرية والوصول إلي خط القناة، وتمكنت قوات الجيش الثاني من صد هذا الهجوم في القطاعين.. وفشلت قوات العدو في مهمتها واضطرت علي إثرها للانسحاب شرقا بعد أن تكبدت الخسائر في الأفراد والمعدات..! أعاد العدو الاسرائيلي تنظيم قواته، وحاول آدان مرة أخري الهجوم بلواءين مدرعين ضد فرقة حسن أبوسعدة، واللواء الثالث ضد الفرقة 61 بقيادة عبدرب النبي حافظ في قطاع شرق الاسماعيلية ودارت معركة »الفردان« بين فرقة آدان وفرقة أبوسعدة.. واندفعت الدبابات الاسرائيلية لاختراق مواقع أبوسعدة في اتجاه كوبري الفردان بهدف الوصول إلي خط القناة.. وكانت المفاجأة الأقوي أن الدبابات المعادية كان يتم تدميرها بمعدل سريع بنيران الدبابات المصرية والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية.. كانت قوة الدبابات الاسرائيلية المتقدمة باندفاع شديد تتكون من 53 دبابة مدعمة بقيادة عساف ياجوري وهي احدي الوحدات التي كانت تتقدم الهجوم، فأصابه الذعر عندما أصيبت ودمرت ثلاثون دبابة خلال معركة دامت نصف ساعة في »أرض القتل«.. ولم يكن أمام عساف ياجوري إلا القفز من دبابة القيادة ومعه طاقمها للاختباء في إحدي الحفر لعدة دقائق ووقعوا بعدها في الأسر برجال الفرقة الثانية.. واضطر الجنرال آدان لخسائره الشديدة لإيقاف هجومه والانسحاب شرقا تحت ضغط وقوة نيران الجيش الثاني..!