[ لابد للمسلمين من حسم أمرهم. هل هم يريدون بالفعل أن يرهب اسم الله العالم؟ أم أنهم يرغبون أن يدل علي اسم إله الخير والرحمة الأعلي؟]. هذا التساؤل طرحه »جين هيك« في كتابه: »عندما تتصادم العوالم«، منبهاً إلي أهمية تغيير صورة الإسلام الزائفة في عيون الآخرين، داخل إطار تصديهم للإرهاب والإرهابيين الذين أساءوا كثيراً بهجماتهم وجرائمهم لحقائق الدين الإسلامي. ومن رأي الكاتب أن التصدي للإرهاب يواجه بتحديات أخري أهمها إصلاح الواقع الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة العربية. ولا ينسي أن يذكرنا بأن الإصلاح ليس صعباً ولا مستحيلاً. ففي العصور الوسطي: »كان الإسلام هو الحضارة العالمية الأبرز في العالم، حيث كانت تحركه الصناعة والتجارة وتنشطه الفنون والعلوم الخلاقة الأصيلة. ولكن خلال الخمسمائة عام الماضية فقد العالم الإسلامي قدراً كبيراً من هيمنته وقيادته القديمة لمصلحة الغرب الحديث أولاً، وحالياً لمصلحة الشرق الأقصي الذي يجري تحديثه بسرعة«. تزداد صراحة المؤلف لتبلغ حد القسوة، عندما يعزينا في حالنا الذي وصلنا إليه، بعد قرون من كوننا القادة الأكثر تقدماً، والأكثر ثراءً، والأشد قوة، ثم حدث التغيير اعتباراً من القرن الثامن عشر بتخلينا عن هذا الدور تدريجياً ونصبح مجرد أتباع تكنولوجيين للغرب. وتزداد قسوة الصراحة عندما يعايرنا المؤلف قائلاً: [ ولكي يزداد الطين بلة، يجد ورثة الحضارات التي شيدت »بابل« و »الأهرامات«، وصنعت معظم عجائب الدنيا السبع في العالم القديم أنفسهم الآن مضطرين لاستخدام ليس مقاولين سنغافوريين وماليزيين وإندونيسيين فحسب، بل ايضا مقاولين يابانيين وكوريين وتايوانيين لتلبية المتطلبات التي يعجز عنها مقاولوهم، حيث تلاشت إمبراطورية البناة العظام التي كانت في يوم من الأيام]. ويبرر مؤلف كتاب:»عندما تتصادم العوالم« رأيه بأن الفجوات التكنولوجية التي تزداد اتساعاً اليوم، تمثل تحديات عملية وسيكولوجية شديدة الحدة يجب علي الحكام والمنظّرين والمصلحين المفترضين والمتمردين الإقليميين أن يوجدوا لها حلولاً براجماتية، حيث إن محاولاتهم للتحديث والإصلاح غالباً ما لا تلقي النجاح. وينقل المؤلف كلمات ل »صمويل هنتنجتون« في كتابه الشهير: »صراع الحضارات« تؤيد مبرراته، و تقول: » إن مسلمي الوقت الحاضر في مجملهم قد أصبحوا مقتنعين بتفوق ثقافتهم إلاّ أنهم مشغولون بتدني قوتهم«. و بمزيد من الإيضاح: السؤال الرئيسي الذي يطرحه عادة العديد من المسلمين المعتدلين، هو: »إذا كان الإسلام بالفعل عقبة في سبيل العلم والتحديث والتطور التكنولوجي، فكيف حدث إذن في العصور الوسطي حينما كان مشبعاً بحماس أكبر للدين أن كانت المجتمعات المسلمة رائدة في مجالات عديدة؟« والإجابة عن هذا السؤال تفصل بين الدين وبين العنف والإرهاب. والدلائل علي حتمية هذا الفصل ترجع إلي سببين. الأول: الإرهاب مرض عقلي وليس أيديولوجياً. وأداة وليس غاية، أو حيلة، تكتيكية بلغة الدين. والثاني:في حين أن الأديان ليست سيئة بطبعها، فإن المؤمنين بها يمكن أن يكونوا سيئين. وهم غالباً كذلك. وبالتالي فإن الاقتناع بهذين السببين، ينقلنا إلي تغيير السؤال المطروح:»ما الذي فعله الإسلام للمسلمين؟«، ليصبح: »بل ماذا فعل المنحرفون للإسلام؟«. ويرد »جين هيك« علي السؤال قائلاً: [ يوحي هذا الواقع بأن السبيل إلي مواجهة وهزيمة الإرهاب الذي يمارس باسم الدين هو التمييز بين الهجوم العدواني والأيديولوجيا، حيث تتم مهاجمة الإرهابيين مع ترك المؤمنين يمارسون شعائر دينهم. ذلك أنه في النهاية ليست المشكلة هي »ما عيب الإسلام؟« بل هي جعل شلل المسلمين التي تعلن عن نفسها بمبادئها التقليدية براجماتيين، لأنه لا يمكن الانتصار في الحرب الحقيقية علي الإرهاب إلاّ بواسطة مسلمين يعملون بشكل براجماتي في إطار الإسلام نفسه]. وتأكيداً لهذا أضاف الكاتب قائلاً: [ الدين يتم تعريفه بتكافؤ إيجابي بواسطة عقيدته. وعقيدة الإسلام يتم تعريفها في إطار القرآن. وآيات القرآن لا لبس في مقصدها. وليس الإسلام دين اعتدال فحسب، بل يدعو إلي التقدم والتحديث. فقد حقق من الناحية التاريخية تقدماً علمياً ضخماً من »الجبر« إلي »الفلك«.. وهلم جرا. ليس هذا فقط.. بل أن بعض التقدم الكبير الذي تحقق بشكل واضح في شرق آسيا حالياً صاغه مسلمون مؤمنون يعملون بيقظة في ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما. وكلاهما ولّد اقتصاديات سريعة النمو، فائقة التكنولوجيا، تتنافس علي نطاق عالمي. وباختصار: كان الإسلام باستمرار في طليعة التطور الاقتصادي والتكنولوجي. كما كان في الطليعة باعتباره دين تسامح وتعايش يسعي دائماً إلي السلام]. .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]