أحمد طه النقر قال صاحبي في تهكم واضح.. "أعتقد أنه حان الوقت لتعترفوا بأنكم حمير سياسة (قالها هكذا).. أو بأنكم، في أحسن الاحوال، تمارسون السياسة بمثالية أقرب الي السذاجة والعبط عندما تتصورون أو تصدقون أن المجلس العسكري مجرد حفنة من الجنرالات الذين لا يعرفون شيئا خارج القُشلاق..وأنهم فوجئوا بما حدث.. وتحركوا لحماية الثورة وإنقاذها..ولولا ذلك لكانت الثورة قد فشلت"..فأجبته من فوري، وبصوت لا يقل تهكما " إنني علي أتم الاستعداد للإعتراف بما تريد ولكن بشرط ألا تبخل علينا بتفسير مقنع وتحليل منطقي لما يحدث".. رد صاحبي قائلا "كنتُ أتوقع منك هذه الإجابة ..وسوف أدخل في الموضوع مباشرة ".. وأضاف " لاحظ أنكم بلعتم الطعم وصدقتم الصورة التي صدرها الجنرالات عن أنفسهم بأنهم لا يفهمون إلا في فنون العسكرية والحرب.. ونسيتم أنكم أمام قادة أقدم جيش في المنطقة ارتبط بالسياسة منذ نشأته، بل تغلغل في خلايا وشرايين المجتمع، وخاصة خلال العقود الثلاثة الاخيرة، حتي قيل بحق إنه تمت (عسكرة) مؤسسات واجهزة وإدارات الدولة من خلال تولي الجنرالات المتقاعدين المناصب القيادية الي الحد الذي باتت معه مناصب ثقافية وعلمية متخصصة تحت قبضة العسكر، مثل الجامعات والبعثات.. فضلا عن مناصب عليا بالغة الاهمية والحساسية مثل الوزراء والمحافظين ورؤساء المدن نزولا الي رؤساء الاحياء !!..أضف الي ذلك أن أجهزة الخدمة السرية مثل المخابرات والامن القومي وأمن الدولة كانت ولا زالت مؤسسات عسكرية بحتة لا يتولي المناصب القيادية فيها إلا العسكريون..أما عن مراكز الابحاث والدراسات الاكاديمية ومعاهد العلوم الاستراتيجية لدي القوات المسلحة فحدث ولا حرج..وإذا أضفت الي كل ما سبق تبادل الخبرات والبعثات والدورات التدريبية مع أمريكا، علي مدي العقود الاربعة الماضية، يصبح من الخطأ والخطل تصور أو تصديق اكذوبة أن جنرالات الجيش المصري لا يفهمون في السياسة"!!.. وأضاف صاحبي ضاحكا "ثم لا تنسي أنك صاحب تعبير (حمير الحكومة) الذي تصف به دائما حيوانات السلطة من نخبة المثقفين والاكاديميين وكبار المستشارين والموظفين المتقاعدين الذين يعانون من حالة شبق مزمن للسلطة وعندما ينامون لا يغمضون سوي عين واحدة لتظل الاخري مفتوحة إنتظارا لإشارة من السلطة الحاكمة قد لا تجيء حتي تُسبل العينان الي الابد!!..وهؤلاء جاهزون علي الدوام لتقديم الخبرات والنصائح للحكام مع الحرص علي تكييفها علي هواهم.. وحتي عندما يتم الاستغناء عن خدماتهم يظلون أسري الحظيرة علي أمل إستدعاء جديد".. أراكَ تلمحُ الي ما هو أبعد وأخطر من مجرد الإقرار بالخبرة السياسية والمعرفة الواسعة لجنرالات المجلس العسكري ؟!!..هكذا قاطعت صاحبي في انزعاج واضح، فأجابني بثقة متزايدة.." أنا لا اُلمح ولكني أتكلم بصراحة مؤكدا ما سبق أن قلتُه لك مرارا ومنذ بداية الثورة من أن عدم الإعتراف بالشرعية الثورية - والمُضي قُدُما في تنفيذ نفس التعديلات الدستورية التي كان قد طلبها الرئيس المخلوع وعن طريق لجنة أقل كثيرا في كفاءتها، ولن أتعرض لنوايا اعضائها وانتماءاتهم السياسية والدينية الفاقعة، من تلك التي اختارها المخلوع وقيادات حزبه المنحل!!- كان خيانة للثورة ودماء الشهداء..وهي البداية الكارثية التي اوصلتنا الي ما نحن فيه الآن..وإذا كان هناك من لا يزال غير مدرك لأبعاد المأزق الذي إنزلقنا اليه فما عليه إلا تأمل الصورة التي كان عليها ميدان التحرير أمس الاول ومقارنتها بالثمانية عشر يوما التي شهدها الميدان في صدر الثورة والتي عبرت في أروع وأعظم صورة عن مكنون الحضارة والُرقي لدي المصريين، وعن المعدن الذهب لهذا الشعب الذي ما أن مسحت عنه يد الثورة الطاهرة بعض الغبار الذي لحق به في سنوات الاستبداد والطغيان والقحط السياسي، حتي عاد يلمع ويتلألأ ويبهر العالم من جديد"!!.. وهنا سكتَ صاحبي لحظة ليقرأ وقع كلامه علي ملامحي ويبدو أنه لاحظ بداية إقتناع من جانبي بكلامه فتابع متشجعا " هل تنكر أن الثورة ماتت تقريبا وأننا في حاجة الي ثورة جديدة تعيد بعث روح وقيم وشعارات الثورة الاولي التي رددتها الجماهير تلقائيا في الميادين عندما نادت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش.. وهل تبقي لديك شك في أن كم الاخطاء والخطايا، بل الجرائم البشعة، التي ارتكبت في حق الثورة والشهداء والمصابين، وخاصة من قبل المجلس العسكري والتيار الاسلامي، ناهيك عمن ينتسبون الي الثورة، كان كفيلا بوأد مائة ثورة وليس ثورة واحدة وخاصة إذا كانت هذه الثورة بلا قائد.. لا تقل لي إن عظمة هذه الثورة هي أنها بلا قائد.. تلك الاكذوبة التي فتحت الباب واسعا لكثير من تجار الثورات حتي صار كل من مر علي ميدان التحرير يمكنه إعلان تشكيل تحالف أو إئتلاف ثوري ليحتل موقعا دائما في فضائيات تبحث عن كل ما هو فاقع ومثير، بينما يتواري في الظل، في ترفع ونكران للذات، ثوار حقيقيون دفعوا ثمنا غاليا في مقاومة نظام مبارك علي مدي سنوات طوال..ألا تري أن الثورة ستلفظ أنفاسها الاخيرة بصورة مأساوية لو وصل احد رجال مبارك وساعتها لن نملك إلا ترديد.. يا خسارة.. يا مصر"؟! وعند هذا الحد من الاسئلة الحارقة والصادمة اضطررت الي مقاطعة صاحبي لأقول له "لا تنس أن الشعب المصري كسر حاجز الخوف وأنه منتبه لما يُحاك من مؤامرات ولن يسمح بعودة نظام مبارك أو قيام دولة دينية.. وإلا فإن الثورة الثانية آتية لا ريب فيها..