نراهم بطرف أعيننا ونحن نمر مسرعين كل منشغل بأموره وهمومه .. قد تستوقفنا مناظرهم للحظات ثم نمضي متابعين طريقنا كأنهم مجرد كائنات علي الهامش مع انهم بشر .. بل أضعف البشر وأكثرهم هشاشة وضعفا ..بشر قابلين للكسر وللتمزيق والاحتراق والانفجار أيضا ..يحتلون جزءا ضئيلا من الحياة لكن يحكمهم قانون الغابة الذي لا يحترم الضعفاء ..بل يدهسهم ويفترسهم ويلتهمهم ويمحو كرامتهم .. فإما أن يعيشوا عبيدا أذلاء أو تنبت لهم مخالب للدفاع أو للهجوم علي الأبرياء.. انهم أطفال الشوارع .. ضحايا قلوب غليظة وبيوت بائسة تلفظ أولادها.. تقطع حتي صلات الدم وتتنكر لفطرة الرحمة بفلذات الأكباد ..تطردهم الي شارع متوحش بلا قلب لا يهدهد صغيرا ولا يطعم جائعا ولايغطي مرتعشا ولايطمئن وجدانا خائفا في غابة الجحور الوعرة حيث تنتهك البراءة بالاغتصاب والاذلال والتجويع دون أن نسمع صرخاته وانينه وهو يتهمنا بالعجز والتقصير المخزي ونحن نشيح بوجوهنا عنهم ونصم أذاننا عن شكاواهم المكتومة ونتناسي أنهم جزء من مستقبلنا واضافة بالسلب أو بالايجاب لحياتنا..لن أنسي هيئة هذا الصبي الذي هز وجداني حيث غطي جسمه وملابسه الممزقة وشعره الاشعث كميات هائلة من التراب كأنه خارج لتوه من كهوف عصور ماقبل التاريخ ..كان يغط في نومه نهارا في احد شوارع وسط العاصمة وقد مدد جسده الهزيل فوق سور منخفض لا يتعدي عرضه شبرا واحدا.. اعطي ظهره للشارع أو للحياة ممسكا السور الحديدي بقبضته .. ولا زلت اتساءل كيف لا تفلت يده عندما تسترخي عضلاته تحت سلطان النوم فيسقط أرضا أكثر من مليون طفل الشارع بيتهم اما أن نرعاهم ونؤوهم أو نتركهم ليصبحوا أعداءنا جميعا .. فلأي الفريقين ننحاز ؟