بعد امطار كثيفة أدت إلي فيضانات عارمة لم يسبق لها مثيل منذ اكثر من قرن، وبالتأكيد منذ قيام دولة باكستان عام 7491، أدت الفيضانات إلي تشريد حوالي 02 مليون نسمة، واضرار بالغة بما يقرب من 8.4 مليون نسمة، وامتدت الفيضانات من اقليم السند في الجنوب إلي اقليم سوات والاقليم الشمالي الغربي، فضلا عن اقليم البنجاب، وبذلك يشارك الباكستانيون في المعاناة في الكارثة والتي بدأت ولكنها لم تتوثق كما ان تداعياتها مازالت قائمة وسوف تستمر لفترة طويلة وربما يكون لها آثارها بعيدة المدي علي النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي. تساؤلات حول الكارثة لقد اثارت كارثة الفيضانات والاسلوب الذي تم التعامل به معها عدة تساؤلات ذات دلالة: الاول: غياب الرئيس الباكستاني أصف زرداري عن بلاده في جولة شملت فرنسا وبريطانيا، ولذا واجه الكثير من النقد من الباكستانيين سواء مواطنين عاديين أوقوي سياسية وحزبية معارضة والاكثر من ذلك أن ردوده لم تكن مقنعة، وبغض النظر عن مدي قانونية مضمون تلك الردود، إلا انه من الناحية السياسية فإن الاستمرار في جولة خارجية لرئيس الدولة وللزعيم السياسي فان ذلك يعبر من وجهة نظر بعض المحللين السياسيين، عن ضعف الحس السياسي لديه لان المواطن العادي لا يبحث عن القانون وإنما يبحث عن الزعيم في وقت الأزمات. ولعل قيام الامين العام للأمم المتحدة بأن كي مون بزيارة باكستان وتفقد اثار الفيضانات وتوجيه ندائه للعالم للمساعدة نموذجا واضحا علي ان الشخص المسئول عليه ان يتصرف بسرعة وحكمة تفوق متطلبات وظيفته في حالات الكوارث والازمات لان الشعوب والافراد يبحثون عن قادتهم في هذه اللحظات الحرجة ويتطلعون اليهم لمشاركتهم آلامهم واحزانهم والمآسي التي يعيشونها. الثاني: بروز دور الجيش الباكستاني في اعمال الاغاثة بخلاف الاداء الضعيف للحكومة وإدارتها المدنية، مما ادي إلي صدور بعض التحليلات حول احتمال قيام الجيش بانقلاب ضد السلطة المدنية، خاصة وان تدخل الجيش الباكستاني في السلطة له سوابق وعمل متكرر لما تتسم به السلطة المدنية احيانا كثيرة من صراعات فيما بينها وممارسات من الفساد المالي والاداري والاخلاقي ومن ثم كان الجيش هو مؤسسة الانقاذ الوطني يتطلع اليه الشعب في مثل هذه الحالات، في الكثير من دول العالم النامية الذي شهد الانقلابات العسكرية والثورات، وباكستان لها نصيب كبير من مثل هذه الممارسات مع اكثر من حكومة منتخبة ديمقراطيا ولكنها عجزت عن تلبية مطالب وتطلعات الشعب الباكستاني. الثالث: ضعف مساندة المجتمع الدولي لباكستان لمساعدتها علي مواجهة الكارثة، وكان الضعف اكثر بروزا ايضا بالنسبة للدول العربية والاسلامية، وهي التي تشارك باكستان في الانتماء الديني والتراث الثقافي، وتحظي دائما بمساندة باكستان للقضايا العربية والاسلامية علي الساحة الدولية ولكنها في المرحلة الاولي من الكارثة لم تكن علي المستوي المطلوب. أما بالنسبة للدول الغريبة فلم يكن موقفها عند المستوي المتوقع ايضا، رغم ان لها سوابق طيبة في مساندة الاعمال الانسانية، وهي التي اتخذت من باكستان لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في افغانستان إبان الغزو السوفيتي، وايضا ركيزة للحرب ضد الارهاب. تفاعل الموقف الباكستاني والأمريكي ونتائجه لقد أدي تفاعل الدور الباكستاني تاريخيا مع الموقف الامريكي بوجه خاص والغربي بوجه عام إلي نتائج بالغة الخطورة في مقدمتها: 1- تزايد الاتجاه الديني المتطرف في باكستان وهو اتجاه لم يكن في بداية نشأة الدولة يحظي بشعبية كبيرة وخاصة في الانتخابات الحرة التي كانت تجري بين الحين والاخر. 2- مزيد من الصراع الداخلي السياسي والعسكري ضد الاتجاهات المتطرفة خاصة في مناطق القبائل الحدودية مع افغانستان وفي اقليم سوات والمناطق القبلية في اقليمالحدود الشماليةالغربية، فضلا عن العديد من التفجيرات الارهابية في كراتشي وإسلام اباد وهو ما راح ضحيته المئات بما في ذلك الزعيمة الكارزماتية بنظير بوتو رئيسة الوزراء السابقة. 3- مزيد من التهميش الدولي لباكستان واقترابها من حالة ما يوصف بالدولة الفاشلة وفقا لما ذكرته تحليلات مجلة الفورن بوليسي الامريكي لقائمة الدول لعام 0102. 4- بروز قلق دولي شديد من احتمال وقوع المنشآت النووية الباكستانية في يد الاتجاهات الاسلامية المتشددة أو عناصر من الطالبان مما يخشي معه من استخدام هذه العناصر للسلاح النووي لتهديد السلم والأمن الدوليين وحقيقة ان هذا القلق كانت له بعض دوافع خفية من تلك الدول التي اخذت في الترويج له بهدف التخلص من السلاح النووي لدي الدولة الاسلامية الوحيدة في العالم. 5- توتر العلاقات الباكستانية الهندية بصورة شبه دائمة علي خلفية قضية كشمير ومشاكل الحدود والتراث التاريخي بين الهند وباكستان منذ انقسامهما وقيام دولتيهما عام 7491 وحتي الآن. يتبع في المقال القادم