قبل أن أتحدث عن هذا الموضوع أود أن أشير إلي شخصيتين عظيمتين عملت تحت رئاستهما منذ تأميم قناة السويس عام 56 حتي رحيلهما الواحد تلو الآخر. فان شبه الإعجاز الذي قام به المهندس محمود يونس في تأميم قناة السويس لهو قصة يشهد له بها ، ثم عبر بهيئة القناة حرب 56 باقتدار ، ولكني أود أن أضيف لذلك انه إذا كان محمد علي القائد الأول لصناعة السفن في مصر في القرن التاسع عشر - وانا هنا كخبير - اشهد أن محمود يونس - بلا شك - هو القائد الأول لهذه الصناعة في القرن العشرين . في عام 65 انتقل محمود يونس إلي منصب وزير للمواصلات وبدرجة نائب رئيس وزراء ، وكنا جميعا نشعر أن ذلك بالنسبة له هو بداية النهاية . وقد قابلته بعد ذلك بمكتبه ببيروت وأنا رئيس إحدي شركات الهيئة - حيث كنا نقوم بتنفيذ احد المشاريع الكبري بسوريا - وقد تأثرت كثيرا بتوديعه لي حتي الباب الخارجي لمكتبه ، وقارنت بين حاله في السابق والحالي ومدي تحلق الناس حوله في الحالتين !! أما المهندس مشهور فقد كان لي به صداقة شخصية وعائلية وقد شاهد عدة حروب (67 حتي 73 ) واستطاع ان يمر بهيئة القناة لبر الأمان وبتخطيط رائع . وفي أواخر عمره كنت كثير الزيارة له مع احد الأصدقاء من الهيئة، وما زلت أتذكر كلمته عندما كنا نهم بالخروج " لا تتأخروا علي في الزيارة فانه بهذه الزيارات ما زلت اشعر بالحياة !!" هكذا الدنيا تعلو وتهبط بالإنسان ويتابعها المنافقون ويبتعدون !! ندعو الله لهما بالرحمة جزاء ما قدموا للوطن من عمل بمحبة وأمانة وإخلاص وكفاءة. وقد تعرضت القناة للإغلاق بسبب الحروب خمس مرات الأولي عام 1882 بعد الاحتلال البريطاني لمصر والثانية لمدة يوم واحد عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولي والمرة الثالثة خلال الحرب العالمية الثانية لمدة 76 يوما أما الرابعة ففي عام 1956 نتيجة العدوان الثلاثي والمرة الأخيرة في عام 1967 حتي عام 1975. استلم مشهور إدارة القناة في أكتوبر عام 65 وسرعان ما وضع خطة لتوسيع القناة ولترتفع هذه المرحلة من مرور سفن حمولة 60 ألف طن إلي 150 ألف طن ، وبدأ فعلا بالتنفيذ في فبراير عام 67 ولكن سرعان ما بدأت حرب 67 الكارثة، أتذكر عندما كنا متحلقين حوله في بدروم مبني الهيئة في أول يوم في الحرب عندما وصلته مكالمة من المشير عبد الحكيم عامر وطلب منه طلبين الأول هو إرسال من يقوم بإصلاح مطاري كبريت وأبو صوير بعد هجوم الطيران الاسرائيلي .أما الطلب الثاني فكان إغراق الوحدات البحرية التابعة للهيئة كما تم في حرب 56 ! وهنا أذكر موقف مشهور اذ لم ينفذ ذلك وقام بتهريب المعدات البحرية الهامة إلي البحر الأحمر جنوبا وكذلك للإسكندرية شمالا أما العائمات الصغيرة فقد تم ترحيلها عبر بحيرة المنزلة . ولكن تم إغراق 30 وحدة بحرية كان أهمها سفينة الركاب مكة. واستمرت حرب الاستنزاف مدة طويلة حتي حرب أكتوبر 73 الرائعة وكانت نتيجة هذه الحرب الطويلة وجود العديد من العوائق والمتفجرات يمكن تلخيصها في الاتي : 62 قذيفة طيران و30 صهريج و895 قذيفة صواريخ و918 قذيفة هاون و426 قذيفة مدفعية ثقيلة و33807 قذيفة مدفع خفيفة و1349 قنابل مضادة للأفراد و2030 مجموعة متفجرة و693 قنابل يدوية و460 لغم مضاد للدبابات و927 لغم مضاد للأفراد و567 صندوق ذخيرة و175 طن من الذخيرة وبالإضافة إلي ذلك حطام طائرة و 3 دبابات إسرائيلية و4 عربات برمائية و3 عربات مدرعة محملة بالذخيرة و10 شاحنات و 7 لنشات و25 برطوم هذا بالإضافة إلي السفن الغارقة السابق ذكرها . وقد تم تنفيذ أعمال الانتشال تحت إشراف رجال البحرية المصرية وتحت قيادة صديقي وزميل السلاح المرحوم اللواء بحري احمد فؤاد حسن وقد تم ذلك بواسطة سفن إنقاذ من دول متعددة وتم البدء أولا بإزالة المتفجرات والألغام بواسطة حاملة طائرات هليوكوبتر امريكية و كاسحات ألغام بريطانية وامريكية واشتركت كذلك وحدات بحرية من البحرية الفرنسية والمصرية وتم الاستعانة بالقوات الآتية : 120 غطاس من القوات البحرية المصرية و 18 بريطانيا و 30 فرنسيا بالإضافة إلي 60 غطاسا من شرطة الإنقاذ النهري وكان مجموع ساعات الغطس 50 الف ساعة وقد تم مسح قاع القناة 8 مرات . ونترك المهندس مشهور ليتحدث ويقول " انه بعد إزالة الألغام الأرضية والمفرقعات والألغام تحت المياه والعوائق الغارقة وكذلك إزالة الساتر الترابي الذي أقامته إسرائيل بإغراق 17 لنشا بالإضافة إلي كتل خرسانية. وفي خلال هذه الفترة من 67 - 75 حافظ مشهور علي كيان الهيئة فلم تعتمد علي اي مساعدات من الدولة معارضا بشدة رأي بعض كبار المسئولين لتصفية الهيئة ، وانتقل نشاطها وشركاتها الي الغرب والتي شبهها رئيس الوزراء عبد العزيز حجازي إنها مماثلة لما قام به الاتحاد السوفيتي عند هجوم الألمان في الحرب العالمية الثانية . وفي أثناء قيام الهيئة باستكمال الأجهزة الإدارية وتجهيز وسائل الاتصال وغيرها في ابريل 75 جاءه اتصال من الرئيس السادات طالبا منه العمل علي افتتاح القناة يوم 5 يونية 75 ( تأكيدا لعبورنا النكسة ) وتم ذلك فعلا باحتفال مهيب كان السادات يراجع بنفسه المهندس مشهور بما سيتم بإخراج عالمي . واستمر تنفيذ خطط توسيع القناة بمراحلها المختلفة لمسايرة التطور العالمي في إحجام السفن ولتسمح بمرور السفن حمولتها 250 ألف طن وكذلك تم الاستعانة باليابانيين في أسلوب احتساب رسوم القناة وتطوير نظام الملاحة والتحكم بنظام VTMS وإدخال نظم المحاكاة لتدريب المرشدين وخلافه والتي سار عليها من خلفوه .