حينما التقيت أحمد فؤاد في باريس كان يعيش مع زوجته فضيلة وابنائه وكان الرئيس السادات قد منحه وأسرته جوازات مصرية وأرسل له سيف جده ابراهيم باشا هدية زواجه لقاء الصدفة هو الذي جمعني مع أحمد فؤاد - آخر ملوك مصر- في باريس للمرة الأولي.. وكان الصديق الدكتور وليم ويصا مراسل أخبار اليوم وقتها قد سألني - خلال زيارة عمل- ألا تريد أن تقابل الملك السابق الذي قامت ثورة يوليو بعد ولادته بستة شهور؟ وقلت له: لن أذهب إليه ويمكن أن تكون المقابلة في فندق الكريون الذي أنزل فيه، حتي لا يقال إنني سعيت للتعرف إليه! وقام وليم ويصا بترتيب اللقاء بعد الظهيرة في صالون الفندق بعد انتهاء أحمد فؤاد من عمله.. وكان وقتها وسيما ونحيلا ومظهره مثل موظفي البنوك ولا يتظاهر كأمير سابق وإنما يبدو شخصا عاديا وبسيطا! وبعدما تعرفت عليه قدم لي نسختين من شريط تليفزيوني عن حلقة خاصة من برنامج »نجوم« الشهير عن الملك فاروق وأعده فريدريك متيران ابن شقيق الرئيس ميتران وتحدث فيه أحمد فؤاد عن أبيه وحياته وتاريخ الأسرة العلوية.. ودار الحديث بعد ذلك عن معيشته في باريس مع زوجته فضيلة وابنائه الثلاثة - محمد علي وفوزية وفخرالدين- وعرفت أنه يقيم في شقة كبيرة في الحي الراقي »أفينيو فوش« وسط باريس ويعيش حياة هادئة ومستقرة ويفضل البقاء في الظل ويعمل مستشارا ماليا في شركات بترول أمريكية وفرنسية.. وقال لي أحمد فؤاد: إن الكلام كثير عن ثروة والدي »الملك فاروق« التي خلفها لنا وكان ذلك مبالغا فيه فقد غادر الإسكندرية بالباخرة المحروسة وليس لديه ما يكفيه للعيش ملكا في المنفي ولم يأخذ شيئا من مقتنياته ومجوهرات أسرته التي كانت موجودة في القصور الملكية! وسألته: من أين كان ينفق طوال تلك السنوات؟ فأخبرني أنه كان يحصل علي مساعدات مالية من السعودية بحكم علاقته الوطيدة مع الملك عبدالعزيز آل سعود وكان يصرف منها أثناء إقامته في سويسرا وإيطاليا! وقال عن نفسه إنه تربطه صداقة مع الملك حسين ويذهب لزيارته في الأردن، كما تربطه علاقة أخري مع الملك الحسن الثاني وأن زوجته فضيلة وضعت طفلها الثالث »فخر الدين« في المغرب وهو الذي اختار له اسمه! وروي أحمد فؤاد حكاية زواجه من »فضيلة« التي تعرف عليها اثناء دراسته في سويسرا وهي فرنسية من أصل يهودي واسمها »دومينيك فرانس بيكارد« وربطت بينهما قصة حب وعندما عادت إلي فرنسا قرر الزواج منها، وارسل إلي الرئيس السادات يستأذنه في زواجه »لأنها يهودية« واشهرت دومينيك إسلامها وأسماها »فضيلة«.. أسوة بحرف الفاء الذي أطلقه فاروق علي بناته فريال وفوزية وفادية- وتلقي الرد من السادات الذي بارك زواجه من فضيلة في مسجد باريس.. وكان أحمد فؤاد قد نظم مظاهرة في باريس أثناء حرب أكتوبر لجمع التبرعات للمجهود الحربي من العرب والمصريين وارسلها إلي السفارة المصرية.. وقدر له الرئيس السادات هذا الموقف الوطني ولذلك أعاد الجنسية المصرية إلي أفراد أسرة محمد علي وأرسل إلي أحمد فؤاد وأخواته جوازات سفر مصرية وسمح له بزيارة مصر في أي وقت.. والتذكار الذي يعتز به أحمد فؤاد بحمله بصفة رسمية هو سيف جده إبراهيم باشا وكان السادات قد أهداه له بمناسبة زواجه عام 7791..! لقد غادر أحمد فؤاد الاسكندرية مع والديه فاروق وناريمان وعمره عدة شهور وكان آخر ملوك مصر، وعاش طفولته وشبابه في المنفي- في سويسرا- ورفض الرئيس عبدالناصر السماح له بالعودة عندما توفي الملك فاروق في روما عام 5691 لحضور مراسم دفنه في مقابر الأسرة العلوية - في الليل وفي سرية- وكان قد وافق علي نقل الجثمان بالطائرة المصرية لكي يدفن في مصر حسب وصيته.. وقال أحمد فؤاد: أن الحنين ظل يراوده منذ ذلك الوقت لزيارة مصر ورؤية معالمها! وهناك واقعة معينة لاينساها أحمد فؤاد، ففي أغسطس عام 0791 وافق الرئيس عبدالناصر - قبل وفاته بشهر واحد علي منحه مستخرجا رسميا من شهادة ميلاده وهي الوثيقة الوحيدة التي تثبت مصريته، وجاءت الموافقة بناء علي رسالة خاصة منه إلي عبدالناصر وتحمل مشاعر التقدير والاحترام! وكانت تقارير المخابرات المصرية تؤكد أنه لا يمارس أي نشاط سياسي ولايعمل لمناهضة النظام ولا يلقب نفسه باسم الملك السابق وأنه متفرغ لدراسته في سويسرا ويعيش في شبه عزلة! وكانت فضيلة قد أبدت رغبتها في ان تضع مولودها الأول في القاهرة عام 97 وحقق السادات هذا الطلب لأحمد فؤاد، واشرف علي ولادة فضيلة الدكتور إبراهيم مجدي مثل ما اشرف علي ولادة زوجها من أمه ناريمان في مستشفي مجدي واطلق عليه اسم جده محمد علي باشا مؤسس الأسرة وعادت بعد ذلك فضيلة إلي شقتها في باريس! وذهبت لزيارة أحمد فؤاد في مسكنه في أفينيو فوش وهي شقة فاخرة قرب القنصلية المصرية وشاهدت علي جدران صالونها لوحات زيتية لمحمد علي باشا وإبراهيم باشا والخديو اسماعيل والملك فاروق وذلك بعد اللقاء الأول.. ودار الحديث مع أحمد فؤاد حول ظروف حياته وشعرت بأنه لا يعيش في الماضي ولا يترك نفسه لأوهام المطالبة بالعرش مثل العديد من أفراد الأسر المالكة السابقة في أوروبا والذين سقطت عروشهم خلال الحرب العالمية الثانية.. لأنه لم يفتح عينيه علي حياة القصور وأبهة الحكم الملكي.. وقال: رغم أنني ابن الملك فاروق إلا أنه تاريخ مضي وما يهمني هو انتمائي لوطني وأدرك الظروف التي تغيرت ولذلك أفضل الابتعاد عن الأضواء والبقاء في الظل! في عام 19 أرسل أحمد فؤاد رسالة إلي السفير المصري أحمد صدقي وجهها إلي الرئيس حسني مبارك بمناسبة مرور عشر سنوات علي حكم الرئيس وقال فيها: إنني كمواطن مصري أشعر بالفخر وأنا في الخارج للمكانة الدولية التي تحتلها مصر بفضل قيادتكم والديمقراطية التي تزدهر.. وطلب زيارة مصر »وهو يحمل جواز سفر مصري رقم 548113« وجاء في أول زيارة في يونيو 19 لكي يطمئن علي صحة أمه ناريمان ويحضر حفل زواج أخيه- من الأم- الدكتور أكرم النقيب وهو ابن الدكتور أدهم النقيب في الاسكندرية.. وكانت الزيارة التالية له مع زوجته فضيلة وابنه محمد علي وابنته فوزية وبينما ترك ابنه فخرالدين مع مربيته لحداثة سنه في باريس. وكان لا يدري ما تخبئه له الأقدار ولا يتصور أن ينفصل عن زوجته فضيلة ويبتعد عن أولاده الثلاثة ويخرج مطرودا من مسكنه.. ولكن سوء الحظ كان يلازمه وتراكمت عليه ديون بلغت 008 ألف يورو واستدانتها فضيلة من بنك »سوستيه جنرال« عام 59 واضطرت إلي بيع الأثاث التاريخي الفاخر ودبت الخلافات بين أحمد فؤاد وفضيلة واشتدت اجراءات طلاقهما في المحاكم الفرنسية وادعت زوجته بأن زوجها يملك ميراثا سريا وتم بيع التحف النادرة ووضع البنك يده علي الشقة المكونة من عشر غرف واستولت فضية علي مقتنياته الملكية، واضطر للإقامة في سويسرا مع شقيقتيه فوزية وفادية للعلاج من الأزمة النفسية وتوالت عليه الأحزان بعد وفاة والدته ناريمان! ولكن فضيلة ظلت تطارده في المحاكم الفرنسية لفترة طويلة.. ولذلك يجئ أحمد فؤاد في زيارات بين الحين والآخر إلي مصر، وتربطه علاقة صداقة مع فاروق حسني وزير الثقافة منذ كان المستشار الثقافي بباريس لحضور الحفلات في المناسبات ولذلك يحرص علي الاتصال به واللقاء معه كلما جاء إلي القاهرة ويتعرف من خلاله علي الشخصيات الثقافية والمفكرين، وكما حدث في زيارته الأخيرة - وقام بزيارة الأهرامات والحسين وصحيفة الأهرام وحضر حفل عشاء في نادي محمد علي مع معارفه.. وفي اللقاء الأول معه قال: إنه ظل سنوات طفولته وشبابه يعاني الوحدة في المنفي! ولاشك أن أحمد فؤاد قد تغير كثيرا بعد المأساة التي تعرض لها بسبب زوجته فضيلة، وبعدما فقد أخواته.. ولعله في لقاء الصدفة بيننا لم يكن يتصور أن يحدث له ذلك في وقت ما.. ويعيش وحيدا علي الهامش! هوس البحث عن الآثار! الأربعاء: أريد أن أسأل الدكتور زاهي حواس: ماذا جري للمصريين؟ ولماذا هوس التنقيب عن الآثار الذي أصابهم مؤخرا خصوصا في الصعيد والجيزة؟ ولماذا يحفرون تحت بيوتهم للبحث عن كنوز الآثار الفرعونية المدفونة، ويلهثون وراء سراب الشائعات المنتشرة عن الثروة الكامنة تحت الرمال، إلي حد أنها اصابت البعض بلوثة بسبب الخلافات حولها وقد تؤدي إلي القتل؟ لقد انتهز لصوص الآثار الفرصة واخذوا يروجون هذا الوهم بالثروة بين البسطاء في قري الصعيد، وبالذات في المنيا التي يشاع ان تحت بيوتها آثارا فرعونية وتماثيل ذهبية وتناقلها الأهالي علي أنها حقيقة واخذوا ينقبون في ظلام الليل ويحفرون تحت بيوتهم الطينية ولكنهم يفاجأون بأن الحفر تمتلئ بالمياه الجوفية وفي أحيان أخري تنهار الجدران.. وسمعت ذلك من أهالي قرية بني العلم »مركز العدوة« ومازالوا يصدقون الاقاويل عن الآثار المدفونة وكل منهم يفكر في الحفر تحت بيته.. وهناك عصابات من لصوص الآثار في الصعيد الذين يبيعون القطع الصغيرة التي يعثرون عليها للتجار المهربين! ولا أظن ان هذا الهوس يجئ من فراغ وبدرجة أن هناك دجالين متخصصين في البحث عن الآثار ويستعين بهم الأهالي في قري الجيزة لكي يقرأوا التعاويذ التي ترشد إلي مكانها تحت الأرض ويتقاضون عشرين ألف جنيه ولا دخل لهم إذا لم يعثروا علي الآثار بعد ذلك.. وقد ذاعت في الفترة الأخيرة شائعات عن صحراء السادس من أكتوبر وما تحويه من آثار.. وليس ذلك غريبا فإن معظم آثار مصر الفرعونية مازالت مطمورة تحت الرمال، ولكن بعد ما تولي زاهي حواس وعاشق الفراعنة - مسئوليته نشطت عمليات التنقيب عن الآثار- وتحت الرقابة المشددة- وشجع ذلك البعثات الأجنبية العلمية علي المشاركة في تلك الجهود وتوصلت إلي نتائج مشجعة ومازال البحث مستمرا.. وقد عرفت أن تجار تهريب الآثار يشجعون أهالي قري الصعيد علي الحفر تحت بيوتهم، بعدما أحكمت هيئة الآثار سيطرتها علي مناطق التنقيب واقامت حراسة عليها وفرضت سياجا في منطقة الأهرامات لحمايتها من لصوص المقابر الذين كانوا يقومون بنهب الحفريات لسنوات طويلة وتهريب آثارها إلي الخارج! وهناك عصابات من لصوص الآثار يقومون بتقليد القطع الأثرية والتماثيل الفرعونية الأصلية، وبعد إتمام الصفقات يقومون باستبدالها بالقطع المزيفة والاختفاء بعدها.. ولم يعد تقليد الآثار الفرعونية مقتصرا علي تلك العصابات في الصعيد، وإنما دخل الصينيون علي الخط ويقومون بتقليد التماثيل الذهبية الصغيرة وترويجها علي أنها آثار حقيقية ولكنها مزيفة! في ذكري الرحيل الجمعة: مهما طال العمر أو قصر فأنت الغائب الحاضر دوما.. صورتك في عيوني وصوتك في مسمعي.. فأنت باقية في خاطر زوجك وابنك كما كنت علي مدي سنوات الحياة التي تقاسمناها كيانا واحدا مترابطا في ظل حنانك ومحبتك.. وعندما رحلت وحدك بغير وداع.. وفاضت الروح - في العناية المركزة - كنت غائبة الوعي عندما كشفت الغطاء عن وجهك الملائكي الراقد في سلام وسكون شعرت برضائك وكأنما تقولين: لا تبكي ولا تذرف دموعك فأنا أعرف مدي عذابك في وحدتك من بعدي، ولكنها حكمة الحياة والموت فلا أحد يعرف أجله ولكنه الفراق ولوعة الحزن علي الاحباب.. ولا أنسي الرضا بالابتلاء والامتثال لإرادة الله بعدما اشتدت آلام مرض الكبد عليك في المستشفي.. ولا أنسي ما قلت لي بإيمان عميق: ربنا يجعل يومي قبل يومك حتي تكرمني في موتي..! وكأنما كانت وصيتك الأخيرة.. وعزائي انك في دار خير من دارك، وفي عالم خير من عالمنا.. وفي رحاب الله الرحمن الرحيم.. ودعائي لك بالرحمة والمغفرة بعد عام من الرحيل.