تحظي تطورات العلاقات التركية الاسرائيلية التي تدهورت في اعقاب احداث مهاجمة اسرائيل لسفينتي معونة قطاع غزة واللتين كانتا تحملان العلم التركي، باهتمام المراقبين علي ضوء الرفض الاسرائيلي لكل شروط ومطالب تركيا لمنع تنفيذ التهديد بقطع العلاقات الاستراتيجية والتاريخية التي استمرت زهاء الستين عام . هذه المطالب كان قد سلمها داود اوغلو وزير خارجية تركيا لبنيامين اليعازر وزير التجارة الاسرائيلي في اجتماعهما غير المعلن الذي عقد في بروكسل وهي تتضمن اولا الاعتذار عن الهجوم وثانيا تشكيل لجنة تحقيق دولية وثالثا في حالة عدم الاستجابة لهذين المطلبين اللجوء الي قطع العلاقات. وبعد اعلان رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو في حديث تليفزيوني رفضه الاعتذار لتركيا عاد وزير خارجيته ليبرمان ليؤكد الرفض الاسرائيلي لكل المطالب التركية جملة وتفصيلا. وكما هو معروف فقد كان قرار نتنياهو بتكليف اليعازر بلقاء اوغلو في محاولة لاحتواء تصاعد الازمة مع تركيا قد اثار ازمة بينه وبين ليبرمان لعدم اخطاره بهذه المبادرة وهو ما ادي إلي اجتماع عاجل بين الاثنين استهدف تسوية الخلاف تجنبا لانهيار الائتلاف الحكومي الهش. ليس خافيا ان هذا التطور يضع الحكومة التركية في مأزق لا تحسد عليه حيث تجد نفسها بين نارين.. اما الاقدام علي قطع العلاقات بالفعل مع اسرائيل حفاظا علي كرامتها ومصداقية مواقفها وضمانا لعدم فقدان الثقة التي اولاها لها التأييد الشعبي العربي والاسلامي كرد فعل علي موقفها وهو ما دفع في نفس الوقت بعض الانظمة العربية التي تحترف مواقف الفرجة إلي التهليل . أما الموقف الاخر المحرج للحكومة التركية فهو العدول عن تهديداتها وتمييع مطالبها والرضوخ إلي الرفض الاسرائيلي في مقابل بعض مبادرات تطييب الخاطر البعيدة كل البعد عن أي التزام بالمطالب المشروطة وهو الامر الذي سوف يمثل خيبة امل لكل الذين راهنوا علي امكانية استقطاب تركيا للانغماس في مشاكل العرب مع اسرائيل. اذن فانه يمكن القول ان حكومة اردوغان اصبحت في موقف لا تحسد عليه فإما الاستمرار في تصعيد خلافاتها مع اسرائيل الي درجة قطع العلاقات وهو امر مشكوك فيه واما التعلل بالوساطة الامريكية في الخلاف والتي تقول الانباء انها كانت موضوعا رئيسيا في محادثات نتنياهو مع الرئيس الامريكي اوباما هذا الاسبوع. وانطلاقا من الحرص علي المصالح الخاصة وعدم اغضاب حليفتها الكبري وحليفة الطرفين واقصد الولاياتالمتحدة فان الدلائل تشير إلي ان الاحتمال الاكبر المتوقع هو ان تنتهي ضجة الخلاف بين الطرفين علي »فاشوش« . من المؤكد ان تركيا وللوصول الي القرار الصحيح سوف توازن بين مصالحها مع اسرائيل وبالتالي مع الولاياتالمتحدة وبين مصالحها مع العالم العربي التي سعت في الفترة الاخيرة علي ان يكون لها فيه موضع قدم بعد سنوات طويلة من القطيعة والتباعد. ان تركيا وكقوة اقليمية لها وزنها مثلها مثل ايران تسعي لان يكون لها دور محوري ومؤثر في احداث الشرق الاوسط. هذا المسعي دفعها إلي التدخل في ملف القضية الفلسطينية والتي ظلت وعلي مدي عشرات السنين منذ كارثة قيام اسرائيل تكتفي بالفرجة علي ما يجري بل تعدي الامر التعاون علي اوسع نطاق مع اسرائيل في جميع المجالات خاصة العسكرية والاقتصادية منها. تمثل ذلك في اجراء مناورات وزيارات عسكرية دورية مشتركة بالاضافة إلي ارتفاع التبادل والتعاون الاقتصادي والتجاري إلي مليارات الدولارات. اننا واذا كنا نحيي تركيا علي ما ابدته من تعاطف مع الحقوق العربية المشروعة والذي جاء اخيرا وبعد طول انتظار إلا ان ما يجب ان يطالب به الرأي العام العربي هو عدم توقع امال كبيرة تتعلق بمزيد من التطور علي هذا الموقف.. تجنبا للاحباط وخيبة الامل. علي العرب وفي مقدمتهم الفلسطينين ان يدركوا حقيقة اوضاعهم المتردية والمتمثلة في تشرذمهم وتفككهم وعجزهم عن التوحد في مواجهة الاخطار التي تحيق بهم والا يكون ذلك دافعا لهم للجري وراء السراب.. عليهم ان يعترفوا ان الطريق الوحيد لاستعادة مكانتهم وحقوقهم هو علاج الاسباب التي تؤدي إلي عجزهم في استثمار امكاناتهم للدفاع عن قضاياهم.