يعبر العراقيون عن فرحتهم بانسحاب آخر الجنود الاميركيين الا انهم يشككون في قدرة السياسيين على تجاوز انقساماتهم ويدعونهم الى تبني عقلية تليق بتحدي اعادة بناء وطن تلوح امامه تحديات جمة. وفي مخبز قديم يقع عند طرف ساحة في الكرادة وسط بغداد، ياخذ صفا (26 عاما) نفسا عميقا قبل ان ينهض عن ارض يفترشها الطحين ليقول "الاميركيون اسقطوا صدام (حسين)، لكنهم اعادوا عقارب حياتنا الى الوراء". ويضيف "نؤمن بان الوضع سيكون افضل من السابق فقط اذا عمل السياسيون على محاربة الفساد وتوجهوا نحو الاصلاح". وغادر آخر الجنود الاميركيين العراق صباح الاحد وعبروا الحدود العراقية الكويتية بعد نحو ثماني سنوات وتسعة اشهر من عبور الحدود ذاتها في الاتجاه المعاكس في بداية "عملية تحرير العراق" التي سرعان ما تحولت الى صراع دام طويل. وسيبقى في العراق 157 جنديا اميركيا يساعدون على تدريب القوات العراقية ويعملون تحت سلطة واشراف السفارة الاميركية، اضافة الى فرقة صغيرة من المارينز مكلفة حماية بعثة بلادها الدبلوماسية. وتقول ربة المنزل ام محمد (50 عاما) ان العراقيين "يشعرون بالفرح اليوم وبانهم قادرون على حماية وطنهم وحدهم من دون مساعدة الغرباء". وتتابع فيما تستبدل الابتسامة على وجهها بنظرة غضب "لن نسامح الاميركيين ابدا على ما تسببوا به لهذه البلد من ارهاب وقتل وتدمير". ويسدل الانسحاب الاميركي الذي اكتمل اليوم من دون اي ردة فعل عراقية رسمية او تعليق من قبل التيارات المناهضة للولايات المتحدة وعلى راسها تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الستار على قصة دامية بدات باقتناع ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش بان اسقاطها لنظام صدام حسين سيجعلها تفوز تلقائيا بقلوب وعقول العراقيين. واتخذت القصة منحى مختلفا بعدما عبدت القوات الاميركية الطريق امام تمرد مسلح اثر حل الجيش خصوصا. وتسبب هذا الامر بمقتل 125 الف مدني عراقي على الاقل، وآلاف الجنود وعناصر الشرطة العراقيين، ونشوب حرب طائفية دامية بين السنة والشيعة بين عامي 2006 و2007، اضافة الى مقتل 4474 جندي اميركي. وقال محمد عبد الامير (60 عاما) العاطل عن العمل والاب لخمسة اطفال والمتحدر من منطقة الاعظمية ذات الاغلبية السنية في شمال العاصمة "تحررنا اليوم من الاحتلال واستعدنا السيادة الكاملة. نشعر باننا ننتمي الى هذا الوطن من جديد". وراى انه "علينا ان نتعاون وان ننهض بالبلد عمرانا واقتصادا وتطورا اجتماعيا لا ان نتشاحن حيث نرى ان بعض السياسيين بداوا يضعون العصي في الدواليب". وتترك القوات الاميركية العراق بعد ساعات من انزلاق البلاد نحو ازمة سياسية مستجدة تمثلت في تعليق قائمة "العراقية" (82 نائبا من بين 325) التي يقودها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي مشاركتها في جلسات البرلمان اعتراضا على "التهميش". ويقول الموظف الحكومي عبد الحسين حوش (59 عاما) المقيم في مدينة الصدر التي تسكنها غالبية شيعية في شمال بغداد "انه يوم تاريخي لكن ما يحزننا ان هذه المناسبة جاءت في وقت انسحبت القائمة العراقية من العملية السياسية". ويوضح متحدثا بالقرب من صورة عملاقة لزعيم التيار الصدري الشيعي مقتدى الصدر "انه امر لم يكن من المفترض ان يجري بالتزامن مع خروج المحتل". بدوره اعتبر علي محسن (50 سنة) الذي يعمل مقاولا وهو اب لسبعة اولاد ان "هذا اليوم يشكل دعوة لان يبدا السياسيون بمرحلة جديدة وان يعملوا بعقلية جديدة لاستغلال الاستقلال الحقيقي افضل استغلال". واعرب عن اعتقاده بان المرحلة المقبلة "ستكون ايجابية لان العراقيين متكاتفون وموحدون من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب". والى جانب الازمة السياسية المستجدة، يواجه العراق تحدي التعامل مع المناطق المتنازع عليها، وعلى راسها كركوك (240 كلم شمال بغداد). ويرى مراقبون ان المدينة الغنية بالنفط التي تضم كافة اطياف المجتمع العراقي ستكون بمثابة الاختبار الاكبر والاهم للعراق في فترة ما بعد انسحاب القوات الاميركية. ويقول استاذ التاريخ الجامعي في كركوك عصام صلاح الدين البياتي (39 عاما) "هذا عيد وطني". ويعتبر ان يوم الانسحاب الاميركي يمثل "رسالة لكل السياسيين بان عليهم ان يتوحدوا ويعملوا من اجل العراق بعيدا عن التقسيم". ويشعر بعض العراقيين وخصوصا المنتمين الى الاقليات بالقلق حيال الوضع الامني في بلاد تشهد اعمال عنف شبه يومية منذ عام 2003. وقال رودي صليوة (35 عاما) المسيحي الذي يملك محلا لبيع المواد الغذائية في كركوك ان "هذا اليوم سيدق ناقوس الخطر (...) لا نريد بقاء الاميركيين ولكن اوضاع العراق والمنطقة قد تنفجر في اي يوم". وشدد على ان "الاوضاع الامنية غير مستقرة والسياسية كذلك، ودور الاممالمتحدة ضعيف والخطر قادم بدءا من اليوم".