حقق حزب العدالة والتنمية فوزا كاسحا في الانتخابات التركية، لم يكن يتوقعه حتى أقطاب هذا الحزب، وهو ما يعد مؤشرا على أن مراهنة رجب طيب أردوغان على "الصخب والعنف" أتت ثمارها بأكثر مما كان منتظرا. ويرى خبراء أن أردوغان، الذي تراجعت شعبيته في انتخابات يونيو، نجح خلال خمسة أشهر في تحويل تركيا إلى "كتلة من نار" تتدحرج لتهدد البلاد التي تعيش في بيئة إقليمية مضطربة. ويوضح الخبراء أن أردوغان تقاعس في تشكيل ائتلاف يعطي لتركيا حكومة مستقرة، مدبرا أمر فشل مفاوضات التوصل إلى مثل هذا التحالف لكي يحصل على فرصة ثانية طبقا للمثل التركي "المصارع الخاسر غالبا ما يريد مباراة أخرى". وتقول صحيفة الغارديان إن إعادة انتخاب حزب أردوغان قد تؤكد السيطرة على مركز الحكم، لكنه يواجه مهمة تاريخية في جلب الاستقرار إلى عموم البلاد، فالصعوبات الاقتصادية والقضية الكردية والمسلحون الإسلاميون المتشددون في سوريا وأزمة اللاجئين عوامل تعمل مجتمعة على تهديد استقرار تركيا. وتضيف الصحيفة أن الرئيس أردوغان، بعد عقد في الحكم، قد يكون أقوى زعيم تركي منذ كمال أتاتورك، ولكنه أيضا شخصية خلافية، وأن مهمته في الأعوام الأربعة القادمة هي أن يظهر أنه شخصية موحدة للأتراك أيضا. ويقر محللون سياسيون أن أردوغان سياسي محنك وداهية، إذ أنه قدم في البداية برنامجا وسياسات جذبت قطاعات المجتمع التقليدية والأكثر حداثة، فتمكن حزبه "العدالة والتنمية" من الاحتفاظ بالسلطة على مدى 13 عاما، وظل هو على رأسها لعقد كامل. لكن معارضي أردوغان يرون أنه لم يكن ديمقراطيا أصيلا يحترم المبادئ الدستورية، فهو لم يستسلم لنتائج انتخابات يونيو بل بدا ك"نمر جريح" يحاول إنقاذ نفسه بشتى السبل، إذ واجه الانتكاسة عبر الالتفاف عليها بوسائل أخرى. ومن المعروف أن أردوغان كان يطمح في تحقيق الاغلبية في الانتخابات السابقة لتعديل الدستوروتحويل النظام من برلماني الى رئاسي يتمتع فيه رئيس البلاد بصلاحيات تنفيذية أوسع، لكن الناخبون رفضوا، آنذاك، خطة أردوغان الذي أخذ بلاده المنهكة إلى انتخابات مبكرة. وشهدت سنوات حكم أردوغان تقليصا لمراكز القوة المستقلة، فقد خفض حجم الجيش التركي في خطوة أثارت الشكوك، وعمل على تحجيم دور الصحافة والإعلام، كما سيس القضاء وأجهزة فرض القانون بشكل مطرد. وصدر عدد من وثائق الإدانة لتركيا من منظمات حقوقية من بينها التقرير السنوي الأمريكي عن أوضاع حقوق الإنسان الصادر هذا الصيف. ويرى خبراء أن أردوغان استعاد أغلبيته لكن تركيا تضررت من هذه العملية، إذ قُوضت مؤسساتها المستقلة وأهملت قوانينها الدستورية، كما تدهورت العلاقات بين الأكراد والأتراك، وعادت الحرب التي توقفت لنحو ثلاث سنوات. ويرجح مراقبون أن أردوغان، الذي يصفه معارضوه ب"السلطان"، في إشارة الى حنينه لحقبة السلطنة العثمانية، سيواصل سعيه من أجل التعديلات الدستورية التي يريدها، وحتى إذا لم يحصل فأنه سيتصرف كما لو أنها قد تحققت.