أبوظبى : احمد عنانى قال مفكرون: أن تيارات الإسلام السياسي لم تستطع مواجهة تحديات الحاضر، وتجربتها في الحكم كشفت عن فجوة واسعة بين الشعارات والتطبيق. ولا بد من الفصل بين الحركات الإسلامية والإسلام؛ لئلا يُحتسب سقوط هذه الحركات على الإسلام. وقال صلاح الدين الجورشي: الحركات الإسلامية فشلت في تلبية مطالب الشعوب وبناء رؤية إيجابية تلبي مطالب العصر والنهضة والتقدم والحداثة. وقال خليفة علي السويدي: الواقع أثبت أن المنظومة التي اعتمدتها دولة الإمارات العربية المتحدة، من أنجح التجارب في التقدم والتحديث وبناء الدولة بشهادة جميع دول العالم. واختتم يوم الثلاثاء الماضي، مهرجان الأمسيات الرمضانية وجلسات الحوار الاستراتيجية التي نظمها "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، خلال الشهر الفضيل، وذلك بحضور سعادة الدكتور جمال سند السويدي، المدير العام للمركز، وعدد من الشخصيات الرفيعة المستوى، وحشد كبير من الجمهور والإعلاميين، وذلك على حدائق المركز في أبوظبي. وتضمن برنامج اليوم الرابع من الفعاليات الرمضانية محاضرتين عن "الوسطية والإسلام السياسي"، ألقى المحاضرة الأولى الأستاذ صلاح الدين الجورشي، الإعلامي ورئيس "منتدى الجاحظ"، من جمهورية تونس الشقيقة، استهلها باستذكار المآثر الوطنية والإنسانية الخالدة للمغفور له - بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومواقفه النبيلة والحكيمة، لا لشعب الإمارات فحسب، بل تعدّت إلى ما يعزز معاني الإنسانية بين بني الإنسان كافة، مشيداً بالدور الذي اضطلع به "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، وخاصة سعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام المركز، في تتبع القضايا الإقليمية والدولية المثيرة للجدل، ولاسيما تصديه لمحاولات تسييس الدين وإشاعة ثقافة التطرف والإقصاء. وأكد الأستاذ الجورشي أن حاضر الإسلام السياسي ومستقبله سيظلان قضية مفصلية، تحتاج إلى مزيد من الحوار في ضوء تداعياتها، وما تشير إليه من ضرورة إعادة صياغة المنطقة في المرحلة المقبلة، ولاسيما أن الوسطية الإسلامية تمثل بعداً مهماً في هذا السياق في تونس وفي دول المنطقة، من أجل وضعها داخل السياقين الاجتماعي والسياسي؛ لتصويب وجهات النظر حول رؤية إسلامية إيجابية منفتحة وبنّاءة، وأشار المحاضر إلى أنه قد أتيح لحركات الإسلام السياسي، أن تلعب دوراً مركزياً ومحورياً في الحراك الثوري والاجتماعي، في عدد من الدول العربية في فترات الانتقال الأخيرة. وعلى سبيل المثال، لم تكن هناك قوى سياسية حقيقية على استعداد للتعامل مع الوضع في تونس، ولم تتمكن حركة النهضة من إقامة تنظيم محكم في جميع مناطق الجمهورية، برغم أن الحركة كانت قد تمتعت برصيد شعبي كبير قبل ثورة 14 يناير، وفازت بالأكثرية في المجلس التأسيسي، وحصلت على تسعين مقعداً، وأصبحت اللاعب الرئيسي في المشهد الحزبي والمشهد السياسي، ولكن ما هي إلا فترة وجيزة حتى بدأت شعبيتها تتراجع وتتآكل؛ بسبب عوامل رئيسية منها أن رصيدها الأخلاقي اهتز في أعين الجماهير بسبب التعيينات في حقائب الحكومة التي صدرت عن المحسوبية على حساب الكفاءة، كما لم تتمكن الحركة من أن تصبح عنصراً فاعلاً يسعى إلى الانفتاح على الآخر، وقبول مشاركته في السلطة والقرار. وارتكبت الحركة مجموعة من الممارسات والأخطاء في القرارات التي كانت مصدر استهجان واسع، وأثيرت الشكوك والتساؤلات حول نزاهة الحركة، بالإضافة إلى أن سلوك الحركة قاد إلى انقسام في الحياة السياسية والاجتماعية، بين مدن الساحل ومدن الداخل التونسي، وتم إهمال قطاعات عريضة من المواطنين الذين يعانون الفقر والتهميش، مع أنهم أكثر من منح أصواته الانتخابية لحركة النهضة، ونشبت أزمة ثقة بين أطياف واسعة من الجماهير وبين الحركة، وبدلاً من التطوير مضت سياسات الحركة وحكومتها إلى مزيد من التأزيم، على حد تعبيره. وبيّن الباحث أن الحديث عن الوسطية الإسلامية الآن، ليس حديثاً افتراضياً أو مزاجياً؛ وعند النظر في التحولات في تونس ومصر نجد أن وصول حركات الإسلام السياسي في البلدين للسلطة كان اختباراً لها في كيفية تسيير الأمور في البلاد، وتحقيق شعار الوسطية الذي زعمت احتكاره، ولكن تجربتها في الحكم، برغم قصرها، أوضحت اتساع الفجوة بين الشعار والممارسة، وانهماك حركات الإسلام السياسي في محاولة التعبير عن خطاب الهوية والأسلمة، بدلاً من حل مشكلات الجماهير ومعالجة قضايا الاقتصاد برؤى استشرافية جديدة، تربط قيم الدين بتطورات نوعية في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتقنية، مع احترام قيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان. ثم ألقى د. خليفة علي السويدي، الأستاذ في "جامعة الإمارات العربية المتحدة"، محاضرته في الحوار السياسي الاستراتيجي، وقدم ورقة بحثية تناولت حركات الإسلام السياسي، انتقد فيها بشدة جمود الحركات الإسلامية السياسية التي ترفض فكرة تطوير الفكر والأحكام في سياق تطور المجتمعات المعاصرة واحتياجاتها ومطالبها في التقدم والحداثة؛ حيث نشأت الحركات الإسلامية العربية منغلقة بعيداً عن الآخر، حتى عن التجربة التركية الحديثة التي انهمكت في تطوير الاقتصاد ورفاه الشعب، وغرقت التجربة العربية في الشعارات من دون أدنى قدر من التطبيق، واجتهدت في إقصاء الآخر. لقد انقسم الإعلام في دول الثورات العربية ولجأ الناس إلى مقولة د. جمال سند السويدي الراجحة حول تأثير الإعلام التواصلي الحديث. ولقد أسهمت أجهزة الإعلام العربية في ضبابية الجماهير و"توهانها"؛ الإسلاميون والليبراليون جميعهم يتحدثون عن الحرية والعدالة والتنمية، فهل يصدق الإنسان العربي هؤلاء أو يصدق أولئك؟ ويبقى السؤال: إلى متى تمتد هذه الظاهرة؟ ويقيني أنها تحتاج إلى فترة تمتد من عقد إلى ثلاثة عقود من الزمان. وأضاف الدكتور خليفة علي السويدي أن النموذج المتفرد الوحيد في الوطن العربي هو دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لأنها استطاعت في فترة وجيزة أن تحقق منظومة فكرية عظيمة النجاح، في السياقات الاجتماعية والاقتصادية بشهادة كل العالم، مشيراً إلى أنه من الخطورة بمكان أن يتم الربط بين اسم الإسلام وبين الحركات الإسلامية؛ لئلا يحسب فشلها فشلاً للإسلام. ويجب أن تُسمى هذه الحركات بأسماء الإخوان والنهضة والسلفيين، بدلاً من استخدام اسم الإسلام. كذلك لا بد من معالجة التطرف الفكري لدى جميع التيارات، وهذا واجب المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية، ويجب أن يعلم الناس أن الديمقراطية وسيلة لتحقيق التنمية، وليست غاية في ذاتها؛ كما يتم تصويرها الآن في المنطقة العربية. بعد ذلك، قام سعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، بتكريم الباحثَين الأستاذ صلاح الدين الجورشي والدكتور خليفة علي السويدي، بدرعي المركز تقديراً لجهودهما البحثية في إشاعة ثقافة الاعتدال والوسطية والحداثة الإسلامية، معرباً عن أمله أن يُعنى المفكرون والباحثون من العالمين العربي والإسلامي بالبحث في بيئة الأفكار المتطرفة، وما ينجم عنها من مخاطر على حاضر الأمة ومستقبلها، بل على ما تنفذه من أجندات، وعمليات عنف منظمة وخارجة على القانون وعلى كل ما يمتّ إلى الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية بصلة. واختُتمت الأمسية الرمضانية بتوزيع الجوائز والهدايا على الفائزين والمشاركين في المسابقات الرمضانية للمركز، وكان من ضمنها سيارتان حديثتان فاز بهما موظفان من المركز.