في إطار التقارير الصحفية الإسرائيلية حول رد نتنياهو على المطالب الثلاثة عشر التي طرحها عليه أوباما لاستئناف المفاوضات، أوردت "معاريف" يوم الخميس الماضي خبراً حول تبدل موقف حزب "شاس". وكما هو معلوم فإن هذا الحزب ديني يخص اليهود الشرقيين، ويخضع للزعامة الروحية من جانب الحاخام عوفاديا يوسف، والزعامة الدينية هنا تعني أن التوجهات السياسية الجوهرية للحزب كشريك في الحكومة يجب أن تخضع لموافقة الحاخام ورؤيته الدينية. لقد ظل نتنياهو يبرر تصلبه في موضوع الاستيطان بالقدس أمام الأميركيين بالقول إنه يخشى من تفكك حكومته وخروج حزبي "شاس" و"إسرائيل بيتنا"، إذا ما أقدم على أي تنازل في هذا المجال. ولقد كان هذا التبرير حقيقياً، فكلا الحزبين يتخذ مواقف متشددة في موضوع القدس. الأمر الجديد في خبر "معاريف" هو الذي يثير مسألة تسخير الدين للسياسة ومقتضياتها المتغيرة، فلقد أفاد أن"بيريز" قام بزيارة الحاخام "عوفاديا يوسف"، وراح يشرح له كسياسي مخضرم، خطورة الصدام بين إسرائيل وإدارة أوباما على المصالح العليا لإسرائيل، وطالبه باستخدام الحكمة للحفاظ على هذه المصالح. وطبقاً لما أوردته الصحيفة، فإن "بيريز"، قد نجح في إبراز منطق المصلحة الإسرائيلية والتي تستوجب بذل أي ثمن للحفاظ عليها باعتبارها شريان الحياة لدولة إسرائيل، وإيضاح أن وقف الاستيطان في القدس لعدة أعوام حتى تزول سحابة الخلاف مع الإدارة الأميركية، هو مجرد ثمن هين إذا قيس بالأضرار التي يمكن أن تنزل بإسرائيل إذا ما تفاقم الخلاف. يقول خبر "معاريف" إن الحاخام عوفاديا قد اقتنع بالضرورة السياسية لوقف الاستيطان في القدس من أجل ضمان تحسن العلاقات مع الولاياتالمتحدة، خاصة أن "بيريز" أوضح له أنه سيمكن استئناف البناء الاستيطاني بعد مرور الأزمة. وفي اليوم نفسه الذي نشر فيه خبر "معاريف" قام الوزير "إيلي شاي" الزعيم السياسي لحزب "شاس" بنفي خبر الحاخام على وقف الاستيطان في القدس. وفي تقديري أن هذا النفي يأتي لأسباب تتصل بالتحكم في توقيت الإعلان عن الموقف الجديد لقطف أكثر ثمار ممكنة. مسألة تسخير الدين للسياسة وأهدافها، مستقرة في التجربة التاريخية للحاخامات لتطويع المفاهيم الدينية وتكييفها، بحيث تخدم الهدف السياسي المطروح، لعل أشهر هذه النماذج استخدام فتاوى الحاخام يهودا القالص التي أصدرها عام 1843 قبل الحركة الصهيونية السياسية بأكثر من نصف قرن من أجل التغلب على المعارضة الدينية الأرثوذكسية للحركة. فالموقف الديني المستقر من مسألة التجمع اليهودي في فلسطين، يقوم على عقيدة المسيح اليهودي المخلص، الذي سترسله السماء لقيادة اليهود إلى فلسطين، وبالتالي يحرم القيام بأي جهد بشري يهودي للتجمع في هذه الأرض، ويعتبر مثل هذا الجهد مخالفة لإرادة السماء. من هنا اشتدت المعارضة الدينية لفكرة هرتزل بإقامة دولة لليهود، غير أن نجاحه في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897 أغرى بعض الحاخامات الأرثوذكس الذين رأوا في المشروع الصهيوني العلماني مصلحة تتمثل في منع اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية. من هنا ظهرت حركة "مزراحي"، التي قادت الصهيونية الدينية معتمدة فتوى للحاخام "يهودا" تقول: إن أحد شروط ظهور المسيح المخلص، هو إقامة مستوطنات يهودية في فلسطين، تضم اثنين وعشرين ألفاً من اليهود. لقد سمح استخدام الفتوى للمتدينين بالهجرة والتنسيق مع الصهيونية العلمانية. هذا النموذج يتكرر في مواقف عديدة لن يكون آخرها الموقف الجديد لعوفاديا يوسف. *نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية