من نواحٍ عديدة يمكن القول إن الشعب الأميركي وانفتاحه على المجتمعات الإسلامية هو الذي سيحدد مدى نجاح مبادرة أوباما في التعاطي مع شعوب العالم والتي دشنها يوم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، أي منذ قرابة عام، ودعا خلالها إلى ارتياد طريق جديد في التعامل مع الإسلام. وسوف يعتمد التغيير في جانب كبير منه على الكيفية التي يفكر بها الأميركيون، وهو ما يجعل من فهم المدركات الأميركية عن الإسلام والمسلمين أمراً حيوياً. ما مقدار ما يعرفه الأميركيون عن الإسلام والمسلمين؟ ما هي الخصائص التي تعرِّف المسلمين في معظم الأذهان الأميركية؟ ولعل الشيء الذي يفوق كل ما عداه في الأهمية ما هي الأشياء التي تجعل من التحيز والتسامح أكثر احتمالاً؟ تسلط دراسة نشرها مركز جالوب للدراسات الإسلامية الأسبوع الماضي الضوء على هذه الأسئلة، وعلى أسئلة عديدة غيرها. وفيما يلي ما اكتشفناه بعد أن أجرينا مقابلات مع ألف أميركي يمثلون مختلف قطاعات الشعب عن مدركاتهم عن عدة مجتمعات دينية مع تحليل معمق لمدركاتهم عن المسلمين والإسلام. تبين لنا من خلال تلك المقابلات أن احتمال قيام الأميركيين بالاعتراف بأنهم يكنون نوعاً من التمييز ضد المسلمين يفوق ما يشعرون به تجاه أي مجتمع من المجتمعات المؤمنين بأديان أخرى. يعترف 43 في المئة من الأميركيين الذين أجرينا مقابلات معهم بأنهم يشعرون على الأقل ببعض التمييز ضد المسلمين وهو ما يفوق بمقدار يزيد عن الضعف عدد الذين قالوا إنهم يشعرون ببعض التمييز ضد أتباع الديانات الأخرى مثل اليهود، والبوذيين والمسيحيين. تبين لنا كذلك أنه كلما كان الشخص منحازاً لليهود، كلما زاد احتمال تعبيره عن الانحياز ضد المسلمين، وهذا العامل تحديدا يفوق في الأهمية أي عامل آخر تمت دراسته. فمن بين جميع المتغيرات التي تناولناها- بدءا من التعليم حتى المدركات- فإن العامل الأكثر ارتباطا بالتحيز ضد المسلمين ليس هو مستوى التعليم، ولا ما إذا ما كان الشخص المتحيز قد تعامل مع مسلمين من قبل أم لا، أو حتى رأيه في الإسلام، وإنما هو التحيز ضد اليهود. وهذه النتائج توحي بأن معاداة السامية والمشاعر المعادية للمسلمين، هي في حقيقة الأمر ظواهر مرتبطة ببعضها، وأن المنظمات التي تحارب تلك الأمراض الاجتماعية يجب أن تعمل بشكل أوثق مع بعضها، لأنها تحارب في حقيقة الأمر من أجل تحقيق هدف مشترك. المواظبة المستمرة على حضور الصلاة يجعل من احتمال إقدام الأميركيين على التحيز ضد المسلمين أقل بمقدار النصف من احتمال قيام غير المواظبين على ذلك. فالحضور الدائم للكنيسة يجعل احتمال إقدام المتردد على الصلاة على التحيز ضد المسلمين أقل لا أكثر. كشف المسح أيضاً عن أن التحيز ضد المسلمين، أو عدم التحيز، يرتبط برأي المرء في الإسلام أكثر من ارتباطه بحقيقة ما إذا كان مثل هذا الشخص قد سبق له التعامل مع مسلم أم لا. فإذا لم يكن الشخص قد تعرف على مسلم بشكل شخصي، فإن ذلك يجعل من احتمال قيامه بالتعبير عن أقصى درجات التحيز ضد مجموع المسلمين أكثر ترجيحا. بيد أن ما يدعو للدهشة ربما هو أن معرفة مسلم لا تزيد من احتمال عدم قيام الشخص بالتعبير عن انحيازه. ما تشير إليه تلك النتائج هو أن معرفة مسلم قد تساعد على تخفيف التحيز المطلق ولكنها ليست كافية مع ذلك لاستبعاده تماماً. تخبرنا نتائج المسح الذي أجريناه أن مدركات الأميركيين بشأن الكيفية التي يفكر بها المسلمون تختلف في بعض الأحيان اختلافاً كبيراً عما يعتقده المسلمون في الحقيقة. تقريباً، يعتقد ثمانية من بين كل عشرة أميركيين(81 في المئة تقريبا)،أن معظم المسلمين لا يقدرون مسألة المساواة بين الجنسين. لكن من خلال البحوث التي أجراها مركز "جالوب "في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة في مختلف أنحاء العالم تبين أن غالبية المسلمين بما في ذلك 85 في المئة من السعوديين و89 في المئة من الإيرانيين، يعتقدون أن الرجال والنساء يجب أن يتمتعوا بحقوق قانونية متساوية. وعلى الرغم مما قد يبدو وكأنه نتائج سلبية، فإن ذلك الاستطلاع الذي أجراه المركز يشير إلى نظرة الأميركيين إلى الإسلام والمسلمين قد تحسنت بشكل عام خلال العامين المنصرمين. علاوة على ذلك نجد أن سبعة من بين كل عشرة أميركيين يرون أن تحقيق المزيد من التفاعل بين الغرب وبين المجتمعات المسلمة، يحقق من المنافع أكثر مما يمكن أن يسفر عنه من تهديد. فالغالبية العظمى من المصريين، والسعوديين، والإندونيسيين لديهم هذا الرأي في الحقيقة، أن موافقة المسلمين على سياسات الولاياتالمتحدة آخذة في التزايد بشكل عام. في نهاية المطاف، هذه السياسة تظهر أن المدركات ليست دائمة وهو شيء مبشر في الحقيقة، لكن الأمر يستلزم أولاً أن يتم توعية الجمهور الأميركي بالمعتقدات الإسلامية. فعلى سبيل المثال نجد أن احتمال قيام الأميركيين الذين يعتقدون أن معظم المسلمين يؤيدون الحقوق المتساوية للنساء مع الرجال بالتعبير عن تحيزهم ضد المسلمين يقل بمقدار مرتين عن عدد الأميركيين الذين لا يرون ذلك، وهو ما يدل على أننا بحاجة إلى المزيد من التوعية بحقيقة كون الغالبية العظمى من المسلمين في مختلف أنحاء العالم يؤمنون بالمساواة بين الرجل والمرأة. كما عرفنا من خلال ذلك الاستطلاع أيضا أن التحيز ليس قاصرا على مجموعة واحدة وهو ما يخلق فرصة لقدر أكبر من الشراكة بين الأديان للمساعدة على معالجة هذا الموضوع. إن غالبية الأميركيين والمسلمين في جميع أنحاء العالم يرغبون في التعاطي مع بعضهم بعضا ويفضلونه على الانعزال وهي عملية يجب أن تبدأ هنا في الداخل وذلك من خلال فهم أفضل لمدركاتنا الخاصة. * نقلا عن صحيفة الإتحاد الإماراتية