خلاص العراق من الاحتلال وفوضاه له مدخل أساسي لا غنى عنه هو الوحدة الوطنية، ومن هنا فإن العمل من أجل استعادتها وإعلاء شأنها وتحصينها يجب أن يتصدر أولويات القوى السياسية بتلاوينها كافة، وهي تستعد وتحشد للانتخابات المقررة مطالع العام المقبل. لقد عانى العراق الكثير من الاحتلال وكوارثه، وعانى الكثير من الفوضى التي استحضرها أو صنعها في بلاد الرافدين، وعانى أيضاً، وخصوصاً، من العمل الخبيث المتواصل من أجل تفتيت نسيجه الوطني، وتفتيت أراضيه، وتوزيعها مغانم طائفية أو مذهبية أو عرقية. القبول بصيغ تقسيم العراق، تحت أي مسمى، يعني القبول بذبح هذا البلد من الوريد إلى الوريد، ويحقق استراتيجية المحافظين الجدد، أصحاب الغزو ومخططاته، بردّه قروناً إلى الوراء، وهو مخطط شرير لايزال تنفيذه متواصلاً، بدليل بقاء الاحتلال وبقاء الفوضى وتفجيرات الموت المتنقل والفتنة، وارتفاع جدران “الحدود” في المدن والأقاليم ومشاريع الدويلات العرقية والمذهبية. من هنا تبدو الصيغ الوطنية، المعبر عنها بمواقف أو تحالفات، مثل نقاط الضوء في نفق طويل ومظلم، هو نفسه النفق الذي أدخل فيه الاحتلال وفوضاه العراق منذ غزو العام 2003 إلى الآن، خصوصاً في ظل الفتن التي ضربت هذا البلد وهددت نسيجه المجتمعي وتعدديته التي كانت تعد مصدر غنى. المواقف والتحالفات التي تطمح إلى إنهاء الاحتلال وتثبيت وحدة العراق وبناء الدولة القادرة والعادلة، وإبطال مفاعيل ما ترتب على تفجيرات الفتنة والتقسيم المذهبي أو العرقي، هي لبنة أساسية مطلوب البناء عليها لإعادة تصويب البوصلات في الداخل العراقي في الاتجاه الذي ينقذ العراق، ولكي تكون الانتخابات، ولو تحت الاحتلال، خطوة نحو هذا الهدف، وليس بقاء الحال على ما هي عليه، ما يفضي إلى بقاء الكوارث ومن يصنعها. الصيغ الوطنية تجمع والصيغ الطوائفية والمذهبية والعرقية تفرق، والعراق بحاجة إلى من ينهض به وطناً حراً سيداً مستقلاً، موحداً قادراً وعادلاً في آن.