يذهب نقاد سياسة أوباما، للتعاطي مع أنظمة مثل النظامين الإيراني والسوداني، إلى أن ذلك التعاطي في حد ذاته يمثل مكافأة لسلوك غير مقبول، وبالتالي تأجيله حتى تغير تلك الأنظمة سلوكها بشأن سياسات بعينها، وأن الولاياتالمتحدة مطالبة في حال إذا لم يتخل النظام الإيراني عن برنامجه لتخصيب اليورانيوم، ويوقف النظام السوداني أعمال القتل التي تدور في درافور، أن تعمل على إبقاء هذين النظامين في حال من العزلة. أما مؤيدو أوباما فيقولون إن التعاطي مع الأنظمة لا يعني بأي حال من الأحوال تقديم التنازلات لها، وأنه من الأفضل التقارب مع الأنظمة بدلا من العمل على عزلها، وحتى إذا ما استدعت الضرورة تقديم تنازلات معينة في مرحلة من المراحل، فإن تلك التنازلات يجب ألا تكون مجانية وإنما تتم كمقابل لإقدام النظام الذي تتعامل معه الولاياتالمتحدة على إدخال تغييرات على سلوكه. خلال الولاية الأولى للرئيس السابق، انتهت كافة الاتصالات المباشرة التي كانت تتم مع إيران، بعد أن قام بوش بوضع هذه الدولة ضمن ما عرف ب"محور الشر" في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد في يناير 2002. قبل هذا التاريخ، كان الدبلوماسيون الأميركيون والإيرانيون قد التقوا في مناسبات عديدة منذ قيام الثورة الإسلامية في ذلك البلد عام 1997. ورغم أن معظم تلك اللقاءات لم تسفر عن شيء، أو لم يكن لها مردود ملموس، فقد كانت هناك مقابلة مفيدة تمت في شهر ديسمبر 2001، وذلك عندما عمل الدبلوماسيون الأميركيون والإيرانيون معاً في مؤتمر "بون" من أجل تنصيب حكومة مؤقتة في أفغانستان بعد سقوط حكم "طالبان". أما خلال فترة الولاية الثانية لبوش، فقد تم تعديل السياسة الأميركية تجاه إيران، وبدأ الدبلوماسيون الإيرانيون يتواصلون مع نظرائهم الاميريكيين، وإن كان ذلك يتم في المقام الأول في إطار تعددي، أي في إطار اجتماعات أو مباحثات تشمل عدداً من الدول- الغربية بالطبع. ففيما يتعلق بالملف النووي الإيران على سبيل المثال، شارك الوفد الأميركي في المحادثات المتعلقة بهذا الملف، لكن باعتباره جزءاً من وفد ممثل للغرب تحت رئاسة المنسق الأعلى للسياسات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي. وقامت إدارة أوباما بأخذ موضوع التعاطي مع إيران خطوة إلى الأمام، عندما رخصت إجراء اتصالات ثنائية مع الإيرانيين. الاجتماع الأول في هذا الإطار، تم أثناء لقاء جانبي في جنيف في بدايات شهر أكتوبر الجاري، عندما اجتمع ممثلو الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، مع المسؤولين الإيرانيين لمناقشة الطرق التي يمكن من خلالها حل الأزمة النووية. وكان المردود العام من هذه اللقاءات إيجابياً بشكل عام بمعنى أنها لم تنته بتوتر أو غضب أو تبادل الاتهامات، كما يحدث أحياناً في اللقاءات والاجتماعات التي تضم ممثلي دول بينها خلافات أو مشكلات قائمة. وفي نهاية تلك اللقاءات قدمت إيران تعهداً غامضاً بعض الشيء بالعمل على نقل جزء من اليورانيوم المنخفض التخصيب خارج إيران لإعادة تخصيبه في روسيا وفرنسا. منتقدو إدارة أوباما لا يصدقون هذا الوعد ويرون أن طهران تهدف من ورائه إلى كسب الوقت حتى تتمكن من استكمال برنامجها النووي، وبالتالي فإن الثناء على اجتماع جنيف لن يضيف شيئاً للمحصلة الحقيقية التي انتهت إليها اجتماعات سابقة في إطار دولي، وهو عدم حدوث اختراقات عملية. ومن هنا ازدادت حدة السجال الدائر في الوقت الراهن حول الحكمة من سياسة التعاطي والتقارب من النظام الإيراني، بعد تلك الاجتماعات. ويرى المراقبون أن على أوباما أن يظهر بشكل جلي أن هناك تقدماً حقيقياً قد حدث في موضوع التعاطي مع النظام الإيراني، وذلك إذا ما كان يراوده أي أمل في نيل دعم من الحزبين الكبيرين في الولاياتالمتحدة لسياسته الخارجية. والحقيقة أن معرفة ماهية أهداف إدارة أوباما على وجه التحديد غدت أمراً يزداد صعوبة باستمرار، وهو ما يرجع إلى الإشارات المختلطة القادمة من إيران. وجماعات المعارضة الإيرانية أو ما يسمى" الحركة الخضراء" لا تزال ناشطة ومسموعة ولا تزال تتمتع بقدر كبير من النفوذ في إيران، كما تمثل تهديداً لسلطة المرشد الأعلى ولنجاد. بيد أن المشكلة التي تعاني منها هذه الجماعات، والإصلاحيون الإيرانيون بشكل عام، هي أنهم لا يتحدثون بصوت واحد. والدليل على ذلك أنه خلال مؤتمر عقد في الآونة الأخيرة بالقرب من واشنطن تحدث أعضاء سابقون في النظام الإيراني بشكل مفتوح وصريح حول معضلات التعاطي بين الولاياتالمتحدةوإيران، لكن لكل منهم تفسيره الخاص. أحد هؤلاء المتحدثين، وهو "عطا الله مهاجراني"، الذي كان وزيراً في حكومة خاتمي، كان أكثر الحاضرين إصراراً على الرأي القائل بأن فرض مزيد من العقوبات على النظام الإيراني- ناهيك عن استخدام القوة ضده- سوف يساعد النظام، ويوحد الصفوف خلفه، وسوف يجبر المعارضة في نهاية المطاف على الوقوف وراء نجاد وخامنئي حتى لو لم تكن راضية في الحقيقة عن سياستهما. الآخرون المشاركون في تلك الاجتماعات تساووا في التعبير بحماس عن اعتقادهم بأن التفاوض مع النظام، كما حدث في اجتماعات جنيف، قد أضفى عليه الشرعية، وعزز نفوذه وقوته، وجعله أكثر تصميماً من ذي قبل على اتخاذ إجراءات صارمة ضد المعارضة. وطالما أن أحداً لا يعرف على وجه التحديد ما الذي يحدث في إيران، فمن الصعب وضع استراتيجية متماسكة للتعامل مع النظام الحاكم هناك. ليس ثمة شك في أن القيادة الإيرانية مهتمة في المقام الأول بأمنها الداخلي، وأنه لا يعنيها كثيرا كيف يتم النظر إليها على الساحة الدولية، وهو ما يعني بالتالي أنه إذا لم يعد شيء من الاستقرار في طهران فإن السجال الدائر في الولاياتالمتحدة حول التعاطي مع هذه الدولة سوف يظل إلى حد كبير سجالا عالي الصوت، لكن ليس على درجة كبيرة من التماسك. نقلاً عن جريدة الاتحاد الاماراتية*