دور رجال الأعمال السياسي تنامي تأثيره علي صنع السياسات, والقرارات الاقتصادية والسياسية خلال عديد السنوات الماضية علي نحو يمكن للبعض أن يصف بعض الحكومات في المنطقة بأنها حكومة وسلطة رجال الأعمال, وذلك بالنظر إلي مؤشرات عديدة منها طبيعة المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنطوي عليها القرارات الحكومية, وآثارها التوزيعية التي تحمي وتعزز مصالح مجموعة محددة من رجال الأعمال الكبار دون غيرهم, مع ارتفاع خطاب الشكايا من متوسطي وصغار رجال الأعمال من التركيز علي الكبار أساسا, في حين أن توسيع قاعدة رجال الأعمال يساهم في دفع العمليات الانتاجية والتوزيعية وخلق فرص عمل جديدة, بما يساهم في التقليل من معدلات البطالة, وآثارها الاجتماعية السلبية. الخطاب النقدي حول رجال الأعمال ركز دائما علي المعلومات الرسمية حول تجاوزات بعضهم, أو بعض المواقف الإيديولوجية إزاء دورهم في الاقتصاد عموما.... إلخ. الخطاب النقدي حول دور رجال الأعمال ركز في عديد من السنوات الماضية حول تنامي دورهم الاقتصادي, وتوظيف السياسة لخدمة مصالحهم, وهو أمر بات يشكل قلقا لدي بعضهم وكثر من المحللين والمواطنين خاصة ونحن علي أعتاب لحظة سياسية هامة في تطور الدولة والنظام السياسي المصري في العامين المقبلين. من ناحية أخري, تنامي الدور المؤثر لبعض رجال الأعمال في فعاليات وتوجهات البرلمان بحيث نستطيع القول إن مصالح رجال الأعمال هي من أبرز محاور العمل السياسي والحزبي والتشريعي بمقولة أن ذلك يحقق مصالح عامة عديدة, يمكن لنا رصد ما يقال عنها! فيما يلي: 1 أن الضوابط والقواعد القانونية والإدارية, والقيود البيروقراطية تؤدي إلي إعاقة' التنمية الرأسمالية'!, ومن ثم يؤدي ذلك إلي هروب رأس المال' الجبان' إلي خارج البلاد بما يؤدي إلي تشويه بيئة الاستثمار, وإشاعة الخوف بين كبار ومتوسطي وصغار المستثمرين! 2 أن تحرير القيود السياسية والقانونية والبيروقراطية يؤدي إلي المزيد من جذب الاستثمارات الأجنبية, وهو ما تحقق قبل الأزمة المالية العالمية, وبنسب لم تحدث قبلا من حيث معدلات الجذب, وهو ما استخدم لتسويغ الإجراءات الحكومية الداعمة لرجال الأعمال أثناء الأزمة. 3 الحضور السياسي لرجال الأعمال يؤدي إلي تحرير القرارات الحكومية من براثن البيروقراطية, والتكنوقراط الذين يستأثرون بالسلطة والقرار الفعلي في البلاد, والذين يحافظون علي مصالحهم وسلطاتهم ويجهضون أية محاولات للإصلاح الاقتصادي والسياسي في البلاد, لأن أية سياسات إصلاحية ستؤدي إلي تفكيك سلطة البيروقراطية وكبار الموظفين من الوزراء, أو قادة عند قمة أجهزة الدولة علي اختلافها. أن الاحتفاء والدعم والترويج الإعلامي_ الإعلاني لخطاب ما لرجال الأعمال, وبعض رموزهم ذات الأقنعة اللامعة, يبدو في كثير من الأحيان أمرا مثيرا للريبة والغرابة. تراجع في السنوات الأخيرة التناول النقدي لأقوال وممارسات رجال الأعمال المهنية لصالح دق الطبول الصاخبة, وتمجيد' عبقرية' بعضهم! ووطنيته غير العادية, والأخطر توظيف بعض ممارساتهم الخيرية للترويج عن وجههم الإنساني الخير الممدود بالمساعدة في تزويج الشباب, أو علاجهم بعض الشخصيات العامة ممن لا تقوم الدولة بعلاج داخل أو خارج البلاد! أو هؤلاء الذين يبادرون بمساعدة الدولة في بناء بعض مؤسساتها القومية. إن علاقة رجال الأعمال بالصحافة والصحفيين ليست جديدة, وإنما هي فرع من أصل هو اجتياح رجال الأعمال للحقل السياسي والإعلامي ورغبتهم في سيطرة رأس المال علي الاعلام والصحفيين والإعلاميين كاستراتيجية للتأثير الفعال علي الحقل السياسي, وعلي اتجاهات الرأي العام, وعلي سياسة التشريع. أن تركيز بعض رجال الأعمال الكبار علي شراء بعض الصحف, والأقلام بات يشكل ظاهرة في ظل غياب معايير المهنية وتراجع بعض القيم الأخلاقية الصحفية, فضلا عن القانون, والجهات المنوط بها مراقبته وتطبيقه, ولاسيما نقابة الصحفيين الغائبة عن الفعل التأديبي الصارم للخوارج عن قواعد المهنية والأخلاقية والقانون. إن المعالجات التشهيرية من بعض الصحف لرجال أعمال أو شخصيات عامة أو صحف أخري, بات تعبيراي عن الابتزاز وكذا صراعات رجال الأعمال بعضهم بعضا, ومن ثم تغلغل وتأثير حقيقي لرأس المال بات يشكل تهديدا لحرية الكلمة وسلطان الحقيقة, وإهدارا لحق القارئ في المعلومة والخبر والتحقيق والمقال الموضوعي لا المواد الصحفية الصاخبة بالتحيز والتجرؤ علي حقائق الأمور. أن سلطة رأس المال تتم كما كتبنا مرارا وتكرارا عبر الخلط العمدي الفاضح بين رجال الأعمال وإعلاناتهم وبين الأعمال الصحفية التحريرية, وبين رجال الأعمال والصحف والفضائيات التي يمولونها, وما يقدمونه من برامج وأعمال وكتابات تروج لهم, وتحمي مصالحهم, وتشهر انيابها الوحشية في مواجهة خصومهم من رجال الأعمال, أو رجال السياسة. أن شراء بعض الأقلام في السوق الاعلامية الجديدة, عبر اجتذاب بعضهم للعمل كمستشارين لدي رجال الأعمال, أو لدي بعض الوزراء!! في مقابل أجور مجزية ولا أحد يسأل أحدا لا النقابة لها دور ولا المؤسسات الصحفية القومية, ولا غيرها!! البعض الآخر من المحررين يجتذب لتقديم بعض البرامج بهدف خلق هيبة ونفوذ لأصحاب الفضائيات كي يتسمون شكلا بالجدية والمهنية, وكثر لا قيمة لما يقدمونه وإنما يساهمون في تشويه الوعي العام, وإشاعة العشوائية والتفكير الخرافي لا العلمي وسط الجمهور! أن سطوة رأس المال الخاص والحكومي علي الإعلام لم تعد ثنائية دقيقة تماما, لأن رجال الأعمال بات تأثيرهم واضحا داخل بعض الصحف القومية علي اختلافها علي نحو لم تعد تخطئه عين القارئ الحصيف ذي الوعي والحكمة والفطنة. الاعلام لدي بعضهم هو المدخل الهام للسيطرة علي السياسة والقرار الحكومي, وعلي بعض الأحزاب السياسية, ومن هنا تبدو الأمور أكثر اختلاطا في بعض أطر الحياة السياسية والحزبية المصرية. من ناحية آخري تبدو بعض المصاهرات بين الثروة والسلطة أحد أبرز مداخل الفساد الإداري في مصر, من خلال الشراكة, وجرائم المال العام التي ترمي لتحقيق مصالح خاصة. أن ظاهرة هروب بعض كبار المدينين من رجال الأعمال للبنوك الوطنية إلي خارج البلاد, هو تعبير عن غياب الضوابط المهنية في العمل المصرفي, وكذا بعض مظاهر الفساد المستشري. ولم يؤد ما سبق إلي تصد حاسم لظواهر فساد بعض رجال الأعمال والمصارف والاعلام عامة والصحفيين خاصة والسياسيين وكبار الموظفين العموميين. إن قرار تحويل بعض رجال الأعمال إلي القضاء لمحاكمتهم عن قضايا قتل وغيرها والحكم عليهم أمر من الأهمية بمكان, ومقدر, ولكن يجب أن تكون سياسة عامة للدولة إزاء رجال الأعمال وغيرهم من الفئات المهنية الآخري, وذلك لإعمال سلطان القانون والعدالة. أن كسر أية مشروعات لإقامة تحالف بين الثروة والسلطة في مصر مسألة من الأهمية بمكان لردع هؤلاء الذين يتصورون أنهم فوق القانون وكرامات المواطنين وأنهم أكبر من الدولة المصرية. أن غالب هؤلاء حمل اسم رجال الأعمال قبل أن ينتج رجل الأعمال في واقعنا الموضوعي من حيث التكوين والتقاليد والحس والثقافة, والأخطر أن دورهم تنامي إلي حد خطر علي مستقبل الدولة الحديثة في مصر هم ونظراؤهم ومصاهروهم من بعض انجال واحفاد رجال السياسة في بلادنا ومعهم اتباعهم, والأخطر.. الأخطر أن بعضهم بات يمثل العدو الوحشي للدولة وغالب الأمة المصرية, ومن ثم يغدو إسقاط التحالف بين الثروة والسلطة فريضة وضرورة سياسية. الشفافية والرقابة السياسية, وإعمال حكم القانون لا يعني إشاعة الكراهية ضد رجال الأعمال عموماي, وإنما دعم الجادين والمنتجين, وذوي الأدوار والمسئوليات الاجتماعية والثقافية والتعليمية..إلخ. نعم نحن في احتياج لدور متنام لرجال الأعمال في تطوير الاقتصاد والصناعة والتجارة والزراعة والبحوث العلمية في بلادنا, لا حماية للعناصر المغامرة التي شكلت بثوراي قبيحة علي وجه' طبقة رجال الأعمال', التي لا تزال في طور التشكل التاريخي في مصر. نقلاً عن جريدة الاهرام المصرية*