برغم الاجتهادات العديدة التي تحاول استكشاف أبعاد الرؤية الأمريكيةالجديدة التي سوف تتبناها إدارة الرئيس أوباما لكيفية تسوية أزمة الشرق الأوسط بكل تشابكاتها وتعقيداتها, وبرغم أن غالبية الاجتهادات تجمع علي أن الصيغة المثلي لتحقيق التسوية الشاملة يمكن أن تتجسد في مؤتمر سلام عالمي يدعو إليه الرئيس الأمريكي, تحضره كل الأطراف المعنية, وتحضره الرباعية الدولية, وحشد ضخم من المجتمع الدولي يضم الحكومات العربية, يصادق علي خطوط التسوية الشاملة التي تقترحها إدارة أوباما, ويشكل مظلة أمن ومرجعية أساسية لمفاوضات جديدة بين الإسرائيليين والعرب تجري علي المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية, بهدف إنجاز اتفاقات سلام, تشكل البنية الأساسية لمصالحة تاريخية بين العرب والإسرائيليين. وبرغم أن فكرة انعقاد مؤتمر دولي علي غرار مؤتمر مدريد, تكاد تكون القاسم المشترك في هذه الاجتهادات المتعددة, فإن الكثير من هذه الرؤي يدخل في نطاق التكهنات بأكثر من أن يكون توقعات شبه مؤكدة... ومع ذلك يظل نجاح المنظور الأمريكي لمشروع التسوية رهنا بعدد من الدروس المستفادة التي أسفرت عنها خبرة التفاوض مع الإسرائيليين. أولها: أن الوقت لم يعد يلائم العودة الي نهج الخطوة خطوة, كما أن الظروف لم تعد تسمح بإطلاق التفاوض دون سقف زمني واضح, يحدد أمد التفاوض ويجعل الالتزام بمراحله المحددة شرطا أساسيا يلزم كل الأطراف. ثانيا: ان التفاوض يصبح نوعا من مضيعة الوقت وعملا عبثيا لا طائل من ورائه ما لم تجمد إسرائيل كل أنشطتها الاستيطانية, وتلتزم بعدم مصادرة أية أراض فلسطينية جديدة وتوقف عمليات استكمال بناء الجدار العازل. ثالثا: التزام جميع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية بوقف كل صور العنف خلال التفاوض بما في ذلك غارات إسرائيل علي الأرض المحتلة, وإطلاق القذائف الفلسطينية علي البلدات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة. رابعا: التزام كل الأطراف بأن يكون هدف التفاوض الوصول الي تسوية شاملة ودائمة, تسمح بقيام الدولة الفلسطينية دون اللجوء الي حلول مرحلية أو مؤقتة, وانطلاق المفاوضات علي كل مسارات التفاوض من حيث انتهت هذه المفاوضات في مرحلة سابقة دون الدخول في متاهة التفاوض من جديد. خامسا: التزام المجتمع الدولي بتقديم ضمانات أمن تحقق نوعا من الأمن المتكافئ لكل الأطراف, وتضمن المراقبة المحايدة لالتزامات كل الأطراف علي أرض الواقع, وتحدد مسئولية أية خروقات تصدر عن أي من الأطراف. ودون هذه الضمانات الخمسة يمكن أن تتوه المبادرة الأمريكيةالجديدة في مساحات لا أول لها ولا آخر, هدفها مجرد تضييع الوقت كما حدث ويحدث حتي الآن. *الاهرام