سخونة النقاش حول الاقتصاد العالمي لا يتعلق بمصير امريكا ؛ بل بمصير الصين. فهل ستكون أسوأ ضحية ، أم أربح الناجين من الأزمة العالمية للعام 2009؟ حتى الآن كل الأخبار تشير الى النجاح ، فالعملاق الآسيوية يتحدى الافتراض القديم ، بان الركود الاميركي من شأنه ان يؤدي الى الكساد الصينى . فلقد اعتمدت الصين لفترة طويلة على التصدير إلى أميركا ، ولكن الصين لا تزال تنمو بقوة على الرغم من انهيار الصادرات ، التى انخفضت 26.4 فى المائة فى شهر مايو وحده. والسبب في ذلك هو النمو في الداخل ، ومبيعات التجزئة بزيادة بلغت 15.2 فى المائة فى مايو ، فى الوقت الذى انطلقت فيه مبيعات السيارات والمنازل . للبعض ، هذا دليل على ان الصين تشهد حالة جديدة من التنمية ، تتمثل فى ظهور مجتمع استهلاكي غني بما يكفي لمنافسة أميركا كافضل سوق مستهلك عالمى ، لكن المشكلة هي أن الاستهلاك الذى يدفع هذا الازدهار ليس فردى ، فالمتسوق الصيني كان في تراجع خلال السنوات الأخيرة. و المنفق الحقيقى الكبير هنا هي : الحكومة. الانتعاش الاقتصادي في الصين حقيقي ، ولكن تم شراؤه من قبل الدولة. فلا يوجد أي حزب سياسي في العالم ، يمكن أن ينفق بحرية الآن كما يمكن للحزب الشيوعي الصيني ، مع ما يقرب من 2 تريليون دولار من الاحتياطيات و ميزانية للسلطة دون رادع من قبل الاحزاب المتنافسة أو المؤسسات. خطة بكين للنمو تبلغ 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ، أي ضعف مثيلتها بأميركا بنسبة 2 ٪ ، والصين يمكن أن تحقق هذه الدفعة دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي. الاستثمارات الحكومية الصينية تؤدي للازدهار فترة طويلة ، وقد ارتفعت نسبة هذه الاستثمارات الى 30 في المئة منذ بداية العام ، 75 في المئة من هذه الاموال تدخل بمشاريع البنية التحتية ؛ كالانفاق على خطوط السكك الحديدية والطرق الذى تضاعف خلال الاثنى عشر شهرا الماضية . مراكز مجتمعية جديدة ، وقاعات اجتماعات ، ومرافق رياضية تنتشر الان في المدن الرئيسية والمحافظات.، الحكومة المركزية والحكومات المحلية تزيد من جمع الاعانات لدعم المصانع العاطلة ، وإعادة تدريب العمال ، والمساعدة فى زيادة الدخل بالمناطق التى تضررت بشدة. فضلا عن برامج قروض حكومية جديدة ، كذلك اعطت الحكومة أوامر للبنوك لزيادة الإقراض ، للمساعدة على تحفيز زيادة مبيعات الشقق. و لا يتوقف الامر عند هذا بل يصل لدرجة إن الدولة تسليم قسائم الانفاق مباشرة إلى المستهلكين ، ولا سيما في المناطق الريفية ، لشراء السيارات والثلاجات وغيرها من المنتجات ، مع العديد من القيود على الأسعار على نحو فعال للحد من قسائم الماركات الصينية الرخيصة. اليد الخفية للدولة ، يمكن أن تحجب حقيقة وضع الصين و ما اذا كانت لا تزال تعتمد على الصادرات لأمريكا. فتجد من بين المناطق الاشد تضررا مقاطعة قوانجدونج Guangdong وهى منطثة صناعية جنوبية تمثل المحور الثامن للثروة فى الصين وربع صادراتها. هناك فنادق الخمس نجوم التي بنيت في أوقات الازدهار تقف فارغة ، في حين أن مراكز توظيف المسرحين والعمال المهاجرين كاملة عدد . مؤخرا ، "نهر اللؤلؤ " اصبح كئيبا بعد ان كان يفيض بالاضواء على ضفتيه من وهج الحانات والنزل والمطاعم التى توقفت "لتوفير الكهرباء ،" وتقول سو كايفنج Su Caifang نائب المدير العام لمكتب الشؤون الخارجية للمقاطعة "أن المقاطعة عانت كثيرا في الاشهر الاخيرة بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي. و اضافت "نحن لا تزال نعتمد على التصدير ، وخاصة على اميركا" ، وتقول سو ، أن 40 في المئة من صادرات المنطقة تتجه الى الولاياتالمتحدة. انه اعتراف صادق يقوض كل ما يقال عن ظهور الطبقة المتوسطة الصينية المستهلكة التى على وشك أن تحل محل اسواق وول مارت. الدخل الصينى يمثل عشر نظيره في أمريكا ، ومجموع انفاق المستهلكين بلغ نحو 1.7 تريليون دولار في عام 2007 ، بالمقارنة مع 12 تريليون دولار في الولاياتالمتحدة . مسؤولون محليون فى دلتا نهر اللؤلؤ يقولون انهم الان يرتحلون الى الداخل لمقاطعة سيتشوان Sichuan وهونان Hunan لبيع مواطنيهم الالكترونيات ، والمجوهرات ، والأحذية التى كانت تصدر إلى الخارج. ومع أن المبيعات المحلية هي قطرة في بحر مقارنة مع الصادرات.. فان هناك شعور متزايد بأن السوق الامريكية سيستغرق سنوات لينتعش بينما سيستغرق السوق الصينية وقتا طويلا للوصول إلى الكتلة الحرجة. "وحتى قبل الأزمة المالية ، كنا نعرف أننا بحاجة إلى تجاوز السوق الأمريكية ،" هكذا افصح ألان لام Allan S.K. Lam نائب المدير العام لمجموعة هوا جيان المتخصصة فى صناعة الأحذية الذي كثيرا مما تراها في محلات شهيرة مثل وست ، وكينيث كول ، وكوتش ، واضاف "لكن هذا سيستغرق خمس سنوات على الأقل ، وربما ثماني سنوات ، لتطوير السوق المحلية الصينية ". المستهلكين الصينيين لعبوا دورا أقل أهمية في الاقتصاد في السنوات الأخيرة. الاستهلاك الفردى الخاص واصل انخفاضه باطراد لبعض الوقت ، إذ كان يمثل أكثر من 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1968 ليصبح 36 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008 ، وهو اتجاه يتحدى الصورة النموذجية للصين المزدهرة بفعل الطبقة المتوسطة. .. والسبب الرئيسى في ذلك هو تزايد القلق حول وحدة هذا البلد وعدم وجود شبكة للأمان الاجتماعي (المعاشات نادرة ؛ الرعاية الطبية تعنى فلوس فى الارض). ولكن الحرية قد يكون لها دور : مؤخرا قدمت مؤسسة كارنيجي Carnegie دراسة تبحث في الحرية السياسية والاستهلاك ، و وجد أن البلدان التي أصبحت أقل حرية على مدى السنوات ال 20 الماضية ، على غرار الصين وايران وفنزويلا ، كان لديها انخفاض كبير في الاستهلاك. تراجع المتسوق الصينى اثار المخاوف لدى البعض مثل ستيفن روتش Stephen Roach ، رئيس مؤسسة مورجان ستانلي Morgan Stanley في آسيا ، والذي يقول انه يجب ان تصل احتياجات الاستهلاك إلى 50 فى المائة من اجمالى الناتج المحلى للصين لتتجاوز فعلا نموذج التصدير .مشيرا الى انه "لايوجد هناك تحول في النموذج" ، واضاف ان استثمار الدولة يمكن ان يرتفع من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 45 في المئة بحلول نهاية هذا العام ، انها مستويات من الانفاق الحكومى "لم نشاهدها من قبل ". وبطبيعة الحال ، زيادة الثراء و الوفرة من شأنه أيضا أن يساعد في تشجيع الانفاق الاستهلاكي - نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين لا يزال 2000 دولار فقط. ولكن هذا يستلزم الانتقال من الصناعات الرخيصة ، الملوثة الى ماركات صينية عالمية . الان معظم صادرات الصين هي مجرد سلع مجمعة في الصين ، بدلا من ان تكون مصصمة و مصنعة هناك ، وهو ما يعني مزيد من الربح ، ورواتب كبيرة تذهب إلى الشركاء الأجانب. في جميع أنحاء مقاطعة جوانجدونج ، حيث يوجد العديد من المصدرين والمسؤولين وأصحاب المصانع تجدهم يدعون أنهم يعملون على تصميم وإنتاج السلع تامة الصنع وأكثر تطورا ، ولكن الإحصاءات تروي قصة مختلفة. نحو 60 في المئة من الانتاج في المنطقة لا يزال في نهاية عنصر التجمع. و الى حين تصبح الصين قوة مصدرة متقدمة ستبقى مجتمع استهلاكى متخلف ، تقوده الدولة .