أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.. هذه المقولة المستقرة تلخص موقف إيران مع التغيير فقد ظن آيات الله والنخبة الحاكمة في طهران أن الرغبة في التغيير قد جري التخلص منها بخروج محمد خاتمي بعد إفشال مشروعه. إلا أن إيران وعلي مدي الأيام الماضية فوجئت ببراكين غضب تتفجر مع الانتخابات الرئاسية بين أحمدي نجاد ومير حسين موسوي,, وبدلا من أن يحتفل الإيرانيون بعيد انتخاب نجاد مثلما بشر خامنئي, فإن الآلاف تلو الآلاف خرجوا الي الشوارع لينددوا بالديكتاتور ويطالبوا بإعادة أصواتهم التي جري تزويرها عبر صناديق الانتخابات. وفي هذه اللحظة تفجر كل شيء: الخلافات العميقة بين أركان النظام التي وصلت الي حد القطيعة بين الولي الفقيه خامنئي والداهية رافسانجاني شارع ملتهب يرفض دعوة موسوي للهدوء مما اضطره للتجاوب معه والدعوة للحداد وإلغاء الانتخاباتاهتزاز شرعية النظام بأكمله بما في ذلك حرمة الولي الفقيه وتزايد الإعتماد علي قوي الأمن والباسيج لتثبيت الشرعية وليس رضا الناس والأخطر إعادة طرح التساؤل: من مصدر الشرعية الأمة أم الولي الفقيه؟!. وكان لافتا أن يتم إطلاق سراح آية الله منتظري خليفة الإمام الخميني الذي ظل رهن الإقامة الجبرية لسنوات طويلة, لأنه رفض ولاية الفقيه, وفقد خلافة الخميني بسببها؟! وهكذا فإن الانقسامات العميقة في بنيان النظام الإيراني بين المعتدلين والمحافظين لم تتبخر, ولم تحسم. ومازال الشعب الإيراني يتطلع لاستعادة حقه في أن يكون مصدر السلطات, وإرادته فوق إرادة الجميع بمن في ذلك خامنئي. كما يبدو أن أهل الحكم في طهران بين خيارين كلاهما مر: التجاوب مع دعوة الإصلاحيين لتخفيف القبضة الحديدية لإصلاح النظام من الداخل والمخاطرة بسقوط النظام مثلما حدث في تجربة جورباتشوف وتفكك الاتحاد السوفيتي. أم اللجوء الي مزيد من القبضة الأمنية وسحق هذا التمرد حتي لو كان سلميا لتثبيت السلطة مثلما فعل الحزب الشيوعي الصيني في أحداث( ميدان السلام السماوي). وعلي ما يبدو فإن المحافظين يميلون الي نموذج الصين, ويرغبون في مواجهة مع الغرب حتي تسهم في إبقاء جذوة الإيديولوجيا الثورية( ما يعرف بالثورة المستمرة) وقاعدة السلطة وذلك بدعوي أن الأمة في خطر! . ويبقي الرهان صعبا للغاية لمعرفة الي أي جهة سوف تمضي إيران, إلا أن المؤكد أن خامنئي يتراجع وعزلة إيران تشتد والوجه الديمقراطي الخاص قد تشوه, وبات من الصعب تفسير هذا الطوفان البشري من الغاضبين ويمكن القول باطمئنان: إن ما شاهدناه في طهران وبقية المدن الإيرانية تصويت حقيقي علي أداء النظام الإيراني, وهؤلاء جميعا لا يعقل أن يتم أتهامهم بأنهم عملاء الغرب. وأعداء الثورة بل الحقيقة أن معظم هؤلاء هم أبناء الثورة الإيرانية الذين خرجوا فيما يشبه ثورة مخملية علي الثورة الأم! والأمر المؤكد أن وجه إيران سوف يتغير الي الأبد, ولكن متي؟ سؤال متروك للأمة الإيرانية! الاهرام*