الأهرام: 17/5/2009 برغم أي خلاف في الرؤي والتوجهات المتصادمة علي الساحة الفلسطينية فإن الذي لا خلاف عليه أن القضية الفلسطينية لم تكن يوما بحاجة إلي وحدة الجبهة الداخلية الفلسطينية بقدر احتياجها لها في هذه المرحلة, خصوصا أن اختلالات موازين القوي الإقليمية والدولية تمنح الطرف الإسرائيلي قدرة أكثر علي المناورة والضغط لايمكن معادلتها إلا بأكبر قدر من وحدة الصف الفلسطيني, خلال جولة استطلاع المواقف التي سيبدؤها الرئيس أوباما هذا الشهر, وضمنها الموقف الفلسطيني عندما يصل الرئيس محمود عباس أبومازن إلي واشنطن بعد يوم واحد فقط من اختتام الرئيس مبارك زيارته المرتقبة للعاصمة الأمريكية. ومن هنا فإن الذين يهمهم أمر عملية السلام ومصالح وحقوق الشعب الفلسطيني يتمنون علي أطراف الحوار الفلسطيني أن يدركوا أن ماهو مطلوب منهم الآن ينبغي أن يجئ في إطار استراتيجي يبتعد كثيرا عن التفاصيل والشكليات, ويتركز في الأساس علي المبادئ وما يمكن أن يتم استخلاصه من مقاصد وأهداف. أقول بوضوح إن مثل هذا الحوار الذي استؤنفت أعماله في القاهرة أمس بين حركتي فتح وحماس ينبغي أن يتجنب الدخول في حسبة توزيع المقاعد والأنصبة مرة أخري من خلال أطروحات تتعلق بضرورات التغيير الواجب اتخاذها في بنيان النظام السياسي الفلسطيني, لأن الانجرار لمثل هذه التفاصيل والشكليات قد يدفع إلي صراعات تتصادم مع ضرورات التوحد الفلسطيني في هذه المرحلة الحاسمة والمهمة من عمر وتاريخ القضية الفلسطينية. وليس يخفي علي الإخوة الفلسطينيين أن القضية الفلسطينية ليست قضية إصلاحات, ولا هي مسألة صلاحيات لهذا الطرف أو ذاك, وإنما هي قضية سياسية لشعب يريد أن يستعيد حقوقه المسلوبة! إن المطلوب من مثل هذا الحوار الوطني الفلسطيني هو الخروج بحد أدني من الرؤية المشتركة لمستقبل التسوية النهائية, خصوصا عند حدها الأدني الذي تكون فيه خطوط حمراء ليس من حق أحد أن يهبط عنها, أو أن يزايد عليها, باعتبار أنها الثوابت الأساسية التي تمثل خط النهاية لجواد المرونة والعقلانية الفلسطينية, الذي قطع أشواطا كثيرة فوق هذا المضمار! ولعلي لا أتجاوز في الخيال إذا قلت إن نجاح هذا الحوار الفلسطيني ربما يكون هو المدخل الصحيح نحو انفراجة مطلوبة في علاقات السلطة الفلسطينية مع جميع الدول العربية, خصوصا تلك المشاركة في مسارات التفاوض, لأن استمرار الشقاق والقطيعة بين هذه الأطراف لايسمح فقط لإسرائيل بأن تلعب علي هذه المتناقضات وتلوح بإمكان إسراع التفاوض علي مسار دون آخر وإنما يؤدي بكل أسف إلي إضعاف الموقف التفاوضي لجميع الأطراف العربية علي مختلف مسارات التفاوض. فهل يرتفع المشاركون في الحوار الوطني الفلسطيني إلي مستوي الحلم العربي والفلسطيني بالابتعاد عن كل مايزيد الشقاق ويؤدي إلي الفرقة في هذه المرحلة الصعبة, والتركيز فقط علي كل ماهو جوهري واستراتيجي ويؤدي إلي تعزيز الموقف التفاوضي.. أم أن جولات الحوار ستتواصل وفي العقول والأدمغة نيات وأهداف تتركز حول الحصص والأنصبة باسم ضرورات البناء الديمقراطي وحقوق اقتسام الأعباء والمسئوليات! هذا هو السؤال المهم في أجندة الحوار الوطني الفلسطيني الذي ترعاه مصر بكل أمانة ونزاهة وشرف... وهذا هو التحدي العاجل قبل أن تضيع الفرصة المتاحة بعودة الاهتمام الأمريكي بالقضية الفلسطينية وفق رؤية جديدة يتبناها الرئيس الأمريكي باراك أوباما, يؤكد بها تمسك أمريكا برؤية حل الدولتين في مواجهة محاولات التنصل والتراجع من جانب حكومة بنيامين نيتانياهو.