قضية الإعلام في إسرائيل تعد من القضايا الحساسة التي يهتم بها الإسرائيليون. ودائما ما كانت القنوات التليفزيونية الإسرائيلية تشكل أهمية كبرى لدى المشاهد الإسرائيلي، خاصة وأن هذه القنوات ناطقه بالغة العبرية، فهي أولا وأخيرا موجهة للشعب الإسرائيلي، إلا أنه في السنوات الأخيرة شهد الإعلام الإسرائيلي المرئي طفرة كبيرة، فقد أصبح أداة لجمع المعلومات الدقيقة حول تفاصيل ربما تهم غير الإسرائيلين. ورأى محللون سياسيون أن في حرب لبنان الثانية عمل الإعلام الإسرائيلي المرئي على تقديم المعلومات والتفاصيل كافة حول تحركات الجيش الإسرائيلي للمشاهد، وربما كان ذلك هو أحد الأسباب غير المباشرة في تشكيل رؤية واضحة لمقاتلي حزب الله في جنوب لبنان جعلتهم يستفيدون منها، وعلى أقل تقدير فقد عملت هذه القنوات على رفع الروح المعنوية لدى حزب الله. لكن الحرب الأخيرة على غزة والعملية العسكرية التي عرفت باسم "الرصاص المصبوب" كانت هي المرآة التي أظهرت الإعلام المرئي على حقيقته، يخفيها الإسرائيليون دائما، حيث تقدم الرقيب العسكري على القواعد الإعلامية العالمية كافة، فلم يكن الإعلام الإسرائيلي المرئي حياديا ولا قدم المعلومات بشكل محترف، بل على العكس أخفى بعض تفاصيل العمليات وأرجأها، وأصبح أي خبر تبثه القنوات الإسرائيلية يتناول تفاصيل العمليات أو يتناول عدد القتلى أو المصابين أو حالتهم يتصدره عبارة "سمح بالنشر والإعلان عن.." الأمر الذي دفع الجميع للحديث عن المؤسسة الأمنية وعلاقتها بالإعلام. ورغم أن القانون الإسرائيلي يحمي الإعلام من أي تدخل من قبل السلطات التنفيذية، إلا أن ما ظهر في حرب غزة الأخيرة دفع المتخصصين للحديث بشكل علني عن تدخل فيما يعرف "بسلطة البث" بحجة أن هذه المعلومات تهدد أمن إسرائيل. الأمر الذي جعل القنوات الإخبارية التليفزيونية ملجأ للإسرائيليين ممن يتحدثون اللغة العربية والإنجليزية لملاحقة الأحداث والأخبار الصحيحة. فقد ذكر التليفزيون الإسرائيلي وبالتحديد القناة العاشرة أن أعلي نسبة مشاهدة لأحداث الحرب على غزة سجلت لصالح القنوات الإخبارية الناطقة بالإنجليزية ومنها قنوات عربية موجهة بالإنجليزية، والتي وصلت إلي ما يزيد عن 70 % من المشاهدين الإسرائيليين. وكشف بعض المتخصصين في السياسة الدولية لدى جامعة "تل أبيب" أن هذا ليس جديدا على الإعلام الإسرائيلي المرئي، وإنما الجديد هو أن الإعلام الإسرائيلي المرئي حان دوره ليكون تحت الرقابة العسكرية. فقد سبق الإعلام المرئي الصحافة، حيث كشف المتخصصون عن اتفاقية كانت مبرمة بين محرري الصحف اليومية وممثلي الجيش عام 1949، وفيها قررت لجنة مشكلة من المحررين الأمنيين إلزام الصحف بمنع نشر معلومات أمنية قد تضر إسرائيل أو تساعد العدو، وأن الرقابة لا تشمل المعلومات السياسية أو الآراء أو التوقعات إلا إذا كانت تمس الأمن ومستقبله، وأن الرقابة مبنية على التعاون بين الجيش والصحافة. وبالرغم من أن إسرائيل تعتبر نفسها دولة ديمقراطية، إلا أنه يوجد بها جهاز رقابة من قبل الجيش يعمل بشكل دائم لمراقبة جميع ما ينشر ويكتب في الصحف بما في ذلك التصريحات العسكرية. حرب غزة أعادت إلي الأذهان التعصب الإعلامي، والذي شهده أحد كبار مقدمي الأخبار الرئيسية في القناة الأولى الإسرائيلية وهو المذيع "حاييم يافين" الذي كان رئيسا للتليفزيون الإسرائيلي في السبعينيات، حيث منعته سلطات البث من استضافة شخصيات مثل الرئيس "ياسر عرفات" وأعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية ممن كانوا معتدلين في توجهاتهم. رغم ذلك خاض "حاييم يافين" حربا شرسة وصلت إلى محكمة العدل العليا في إسرائيل والتي أقرت جواز إجراء هذه المقابلات. السيطرة على الإعلام المرئي في إسرائيل يوما بعد يوم سيفقدها المصداقية أمام جمهورها، فللمرة الأولى نسمع داخل إسرائيل من يقول إن المصابين من الجنود الإسرائيليين عددهم أكبر بكثير ولكن الإعلام يحظر عليه الإعلان عن ذلك، حتى يظل المجتمع يؤيد العملية العسكرية، فالهدف هو تعبئة الرأي العام الإسرائيلي لمساندة الحرب. فالإعلام الإسرائيلي المرئي أصبح في معضلة كبيرة، وهي إما العمل وفق القواعد الإعلامية العالمية التي ممكن أن تتسبب في النيران الصديقة وتؤدي إلي اختراق العدو لمفاهيم وأفكار وتفاصيل النظام الإسرائيلي والتنبؤ، أو التنحي عن القواعد العامة والبعد عن النيران التي سيسببها الإعلام بغير قصد والاكتفاء بأن يكون إعلاما مرئيا صاحب مصلحة عليا.