الحياة: 18/02/09 جاءت هذه الطرفة في قصة لأحد المشايخ، اتصل به رجل في برنامج على الهواء، وسأله عن جواز الدخول بالهاتف الجوال إلى دورة المياه وفيه آيات قرآنية، فرد عليه الشيخ بأن ذلك جائز، إلا أن المتصل استنكر هذا الجواب، الذي جعل الأمر يسيراً وسهلاً، قائلاً: لكن يا شيخ الآيات القرآنية محمّلة داخل الذاكرة، فقال له الشيخ هل تحفظ انت شيئاً من القرآن، قال له الرجل: نعم. قال له الشيخ: اذاً إذا دخلت الحمام خل مخك برا. ولأن مخ السائل في الحقيقة ومثله كثيرون (برا). اقتنع بالاجابة على ما يبدو! هذا السائل يشبه كثيراً من جمهور السائلين، وهؤلاء يتصلون لا ليعرفوا، بل ليسمعوا ما يظنوه، ويطلبوا ما يتوقعوه، وهو غالباً التحريم! فقد سمعت متصلاً يسأل الشيخ في القناة السعودية عن جواز افطار المسافر في رمضان حتى ولو للسياحة، فلم يجد الشيخ رداً غير ما يقره القرآن والرسول وهو الافطار في السفر، وان الله يحب أن تؤتى رخصه قبل فرائضه، إلا أن السائل لم تعجبه الاجابة، كان يريد غير هذا، فما كان منه إلا أن ردد مرة أخرى، ولكن يا شيخ هو رايح كذا، يعني سياحة يعني لغير ضرورة، لكن السائل لم يجد غير الجواب نفسه. هؤلاء لا يميلون للشيوخ الذين يبيحون ما أحل الله، ولا يتشددون على الناس، يريدون من الفتوى أن تتماشى مع تقاليدهم التي عهدوها، ولأن هؤلاء يعيشون في ذهنية الشك والحذر، فان حكم التحريم هو ما يطمئنهم وليس العكس، وكأن قاعدة الحياة عندهم هي ان كل شيء حرام، وعليهم البحث عن الحلال. هؤلاء يسألون الشيوخ عن أي رجل عليهم أن يدخلوا بها الحمام؟ وأي يد عليهم أن يسبحوا بها؟ وعلى اي جنب ينامون؟ وهل تجوز كلمة حياك الله؟ وكيف نسلم على غير المسلم؟ وهل يأثمون في احلامهم؟ وهل يجوز التداوي عند جني مسلم؟ أحد الشيوخ قال نعم يجوز، ولم يخبرنا اين نجد هذا الجني المسلم الذي يعالج الناس. وتستطيع أن تقيس كيف يعيش انسان يسأل نفسه كل دقيقة إن كان ما يفعله حلالاً أم حراماً. ولم يعد العالم الخارجي هو الذي يثير فضوله ومعرفته، بل عالمه النفسي والداخلي، جسده واحلامه. ومشكلة بعض الشيوخ أنهم لا يحثون الناس على التخلص من وساوسهم، ولا يرفعون من شأن العقل لديهم، ولا يرتقون بقضايا سائلهم مع نفسه، وربطه بيئته والعالم المحيط به، والنظر للمصلحة المشتركة له مع الآخرين، بل يدخلون معه للوساوس ذاتها، ويفصلونها له ويجادلونه فيها. لا يجرون طاقتهم لحب الخير والسماحة مع النفس والآخر، وإلى قضايا أسمى وارقى وأكثر فائدة، مثل مراعاة حقوق الناس، والعدل معهم، والمشاركة في جعل هذا العالم آمناً لتطمئن نفوسهم، واحترام القوانين التي تخدم المصلحة العامة. معظمهم لا يقولون مزاحاً كما قال شيخنا مازحاً: خل مخك برا، بل يقولون وهم في منتهى الجدية: نحن نفكر عنك، أما أنت فخل مخك برا!