هذه سنة الحياة وسنة التداول.. كان معلوما منذ يولد الإنسان أنه سيموت.. فيديل كاسترو لم يمت بعد لكن ذلك حاصل لا محالة فسقراط إنسان وكل إنسان يموت إذن سقراط يموت! ولكن الحياة تتواصل ومسيرة الإنسان تبقى قائمة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. والجديد إنما هي تخلي فيدال كاسترو عن السلطة وهو في حالة مرض طال وعجز عن ممارسة صلاحيات الحكم فأودع الأمانة وانتخب شقيقه ورفيق مسيرته راؤول كاسترو رئيسا جديدا لكوبا. فهل انتهى عهد الشيوعية بمغادرة فيدال كاسترو عن الحكم؟ النظام الشيوعي أو حسب تسميته الأخرى الرائجة النظام الاشتراكي عرف منذ ظهوره سنة 1917 بانتصار الثورة البلشفية في روسيا ثم قيام الإتحاد السوفيتي تطورات كبيرة كانت إحدى أكبر علامات القرن العشرين ... انتشرت الشيوعية والاشتراكية والماركسية اللينينية والماوية والتروتسكية وتأسست أحزاب شيوعية في مختلف قارات العالم وبرزت أنظمة شيوعية في أوروبا الشرقية والصين وفيتنام وكوبا وألبانيا وشاركت أحزاب شيوعية في الحكم بفرنسا وإيطاليا بل وحتى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.. ووقعت أحداث وحصلت تطورات وبقيت كوبا متمسكة بنظامها السياسي بقيادة الحزب الشيوعي الكوبي كما بقي الحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي الفيتنامي في الحكم وبالطبع لم تعد الخصائص نفسها كزمن لينين أو في عهد ماو وأيام هوشي منه فالتغيير والتطور سنة الحياة والأنظمة التي تبقى جامدة مآلها الاندثار ... وكذلك كوبا لم تبق أحوالها جامدة وتغيرت المعطيات التي كانت قائمة أيام أحداث خليج الخنازير ولا في رفقة غيفارا وزمن الحرب الباردة.. غير أنه لا أحد ينكر ثبات نظام سياسي معاد للرأسمالية ومتوتر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو في مجرد جزيرة على قاب قوسين أو أدنى من فلوريدا وتكساس ولويزيانا المطلات كلها على خليج المكسيك وبحر الكاريبى بل وملامس تماما لجواتنامو وما أدراك فيديل كاسترو هو زعيم النظام السياسي الكوبي وقائد الثورة الكوبية ورمز من رموز الحركة الشيوعية العالمية ولكنه ليس أكثر من ذلك فهناك حزب وحكومة وشعب وراؤول كاسترو وليس فقط شقيق فيديل كاسترو بل رفيق درب وأحد القادة التاريخيين وصاحب التزام فكري عقائدي وسياسي وشريك في التجربة بإيجابياتها وسلبياتها إلى جانب قادة آخرين. ولذلك لا تمثل مغادرة فيديل كاسترو للحكم تحولا جذريا في النظام السياسي رغم أن الإصلاح دائما مطلب تاريخي وضرورة سياسية وقد قام لينين وماو وراؤول كاسترو الذي خلف فيدال كاسترو وليس جورباتشوف وليس كيم إيل سونج خليفة ماوتستونج وفيدال كاسترو ليس ستالين ولا أنور خوجة. هناك دائما واقع مجتمعي وظروف تاريخية وتطورات سياسية تحكم العلاقات العامة ولو كان الأمر بالرغبات لتهاوى النظام الكوبي بعد انحلال الإتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين. المؤكد أنه ستحصل تغييرات تفترضها التطورات فتلك من أبسط قواعد الفكر السياسي وسنن الحياة ولكن ذلك لا يعني تغير النظام فتغير النظام من مشمولات الشعب الكوبي وحده دون وصاية ودون تدخل أجنبي سواء بواسطة المهاجرين أو عن طريق المرتزقة وإشعال الفتن والمؤكد أن الشعب الكوبي مسيّس وراشد ويعرف مصلحته جيدا ويدرك مزايا نظامه السياسي كما يعرف نواقصه وهو الوحيد صاحب المصلحة الحقيقية في بقاء هذا النظام أو تغييره وكل الكوبيين بل وكل العاملين يعرفون أن فيديل كاسترو سيرحل يوما ما حتى وإن ظل في الحكم ما يقارب النصف قرن.