كل شئ كان يحاكي الرمز في رحلة باراك اوباما الرئيس الأمريكي الجديد منذ أن بدأ حملته الانتخابية مرشحا عن الحزب الديمقراطي قبل عام الي أن استقل القطار من ولاية بنسيلفانيا الي واشنطن العاصمة حيث نظمت مراسم التنصيب وحلف اليمين في20 يناير. فقد بدأ رحلة باراك اوباما بمحاكاة مارتن لوثر كينج الزعيم الأسود الذي طالب بالحقوق المدنية للسود في الستينات وألقي خطبته الشهيرة التي وصف فيها' الحلم' الذي لديه من اجل السود في حياة أفضل حينما لم يكن من حقهم الجلوس في مقاعد البيض في وسائل المواصلات ولا الدخول الي مدارس البيض ولا تناول وجباتهم في مطاعمهم أو النجاح في الحياة العملية. فركز اوباما خلال حملته علي تحقيق الحلم الذي أوصل مواطنا امريكيا ملونا الي أن يصبح مرشحا لحزب رئيسي في الانتخابات الرئاسية بل وان ينجح في الانتخابات ليصبح أول رئيس أمريكي اسود وفي خطبته بعد التنصيب أكد أن كل شخص يستطيع أن يصبح ما يريده أيا كان ذلك. وأن الولاياتالمتحدة التي تضم كل الأديان المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي وهؤلاء بلا دين والتي تضم أجناسا من أنحاء العالم لن توصف بأنها' عنصرية' بعد اليوم. وفي رحلة الترشيح الطويلة أعلنت كارولين كنيدي إبنة الرئيس الامريكي الأسبق جون كنيدي تأييدها لأوباما وقالت انه يعيد الي الذهن والدها الذي أراد التغيير. فكان جون أف كنيدي هو ثاني شخصية رمزية يحاكيها أوباما عندما ظهر الي الناخبين في صورة الرئيس الشاب الذي قد لا يحمل الكثير من الخبرة ولكنه يملك الشباب والطاقة والكاريزما وأهم من هذا ومن ذاك يحمل' الأمل'. فقد نشر اوباما الأمل الي كل مواطن أمريكي سواء كان ابيض أم أسود شابا أم شيخا غنيا أم فقير. هذا الأمل في التغيير الذي ينشده الجميع بعد ثماني سنوات من إدارة لم تحصد إلا كراهية العالم لها ولم تحقق إلا الحروب والخراب والتلوث والأزمات الاقتصادية. وفي خطبته التي ألقاها بعد التنصيب ركز أوباما علي تلك النقطة وأكد أن علي الجميع من اليوم أن ينفضوا ما علق بهم وينهضوا من كبوتهم من اجل التقدم الي الأمام ودعا الجميع الي أن يستبدلوا الخوف بالأمل. وأخيرا وصل أوباما الي نهاية رحلته عندما قرر أن تكون المرحلة الأخيرة في قطار يأخذه من ولاية بنسيلفانيا في الشمال الشرقي التي اعتبرت إحدي الولايات الأساسية في الاتحاد وأحدي المستعمرات الثلاث عشرة التي تكونت منها الولاياتالمتحدة. من بنسيلفانيا استقل اوباما وعائلته قطارا عتيقا في رحلة الي واشنطن استمرت ست ساعات ونصف الساعة مر خلالها علي المدن والقري الأمريكية حيث تجمع المواطنون يلقون نظرة عليه ويحييونه. انه نفس الطريق الذي اتخذه الرئيس الامريكي الأسبق ابراهام لينكولن في عام1861 الي واشنطن العاصمة قبل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة. وعلي طول الطريق كان اوباما يستحضر روح لينكولن والمؤسسين الأولين في خطبه العديدة التي ألقاها ويستعيد أعمالهم وإنجازاتهم. فقد كان اوباما مرة ثالثة يحاكي الرئيس الامريكي الذي نجح في منتصف القرن التاسع عشر في أن يقود بلاده من أسوأ أزمة ألمت بها وهي الحرب الأهلية فحافظ علي وحدة البلاد ووضع نهاية للعبودية. ويستمر الرمز عندما زار اوباما بعد وصوله الي واشنطن النصب التذكاري للرئيس لينكولن وقرر أن يتم حلف اليمين علي الإنجيل الذي استخدمه لينكولن قبل أكثر من قرن ونصف من الزمن. من المؤكد أن باراك أوباما ضخ الكثير من الأمل والحماس في الشعب الأمريكي خاصة في وقت قد يعتبره البعض أسوأ فترة مرت به في العصر الحديث حيث الوضع الاقتصادي في أدني مستوي له منذ أزمة1929 وصورة أمريكا في الخارج الأسوأ في تاريخها والفساد والأكاذيب تتكشف علي كل المستويات مع مرور الأيام. وان كان مجرد وصول أوباما الي البيت الأبيض يعد بمثابة تغيير في حد ذاته فيبقي أن يستيقظ في اليوم التالي علي الواقع. الواقع الذي خلفه له سلفه الرئيس جورج بوش. وخاصة الواقع الذي خلفته إسرائيل في غزة وفي الشرق الأوسط كله حيث لا يمكن لأي رئيس مهما كانت نواياه الجيدة أن تغيره. لقد أستهل اوباما رئاسته بقرارين الأول وقف كل الممارسات في معتقل جوانتانامو كما تعهد. والثاني كما ذكرت صحيفة الواشنطن بوست نقلا عن مصادر هو تعيين جورج ميتشال عضو مجلس الشيوخ والوسيط الذي توصل الي اتفاق في ايرلندا الشمالية في عام1998 ليكون مبعوثا خاصا له في الشرق الأوسط. أن موجة الأمل التي بثها أوباما في الشعب الامريكي انتشرت وسادت في العالم كله من اندونيسيا الي أوروبا مرورا بأفريقيا. ولكن ان كانت رحلة اوباما الي البيت محملة بالرموز والمحاكاة فانه يجب علينا أن نتذكر أن كل الشخصيات التي استدعي رموزها سواء كان كنيدي أو مارتن لوثر كينج أو لينكولن الثلاثة اغتيلوا بأيد خائنة.