موعد آخر فرصة لتقليل الاغتراب والتحويلات بتنسيق المرحلتين الأولى والثانية    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    وزيرة التنمية المحلية: إزالة 4623 مخالفة بناء فى عدد من المحافظات    وزراء نتنياهو يهاجمون الاحتجاجات ويعتبرونها مكافأة لحماس    حركات فلسطينية مكثفة في الأمم المتحدة لدعم حل الدولتين    تحرك شاحنات القافلة السادسة عشرة من المساعدات من مصر إلى غزة    فحوصات طبية ل فيريرا بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة عقب مباراة المقاولون    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    قمة إنجليزية.. مواعيد مباريات اليوم الأحد    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض الحرارة والعظمى تسجل 31 درجة    تشكيل فريق طبي لمتابعة حالات مصابي حادث انقلاب أتوبيس نقل عام بطريق أسيوط الصحراوي الغربي    الفرح تحول إلى مأتم.. مصرع 4 شباب وإصابة 5 آخرين في زفة عروس بالأقصر    انتهاء امتحان اللغة الأجنبية الثانية الدور الثاني للثانوية العامة    إنقاذ شخص تعطل به مصعد داخل مول بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 11 مليون جنيه خلال 24 ساعة    أحمد السعدني للراحل تيمور تيمور: محظوظ أي حد عرفك    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    شرطة الاحتلال: إغلاق 4 طرق رئيسية بسبب إضراب واسع في إسرائيل    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    إصلاح الإعلام    البوصلة    فتنة إسرائيلية    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    السيسي يوجه بزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم    مصرع شخصين وإصابة 30 آخرين فى انقلاب أتوبيس نقل على الطريق الصحراوى بأسيوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 17 أغسطس 2025    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    تدق ناقوس الخطر، دراسة تكشف تأثير تناول الباراسيتامول أثناء الحمل على الخلايا العصبية للأطفال    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    مواقيت الصلاة في محافظة أسوان اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    لأول مرة بجامعة المنيا.. إصدار 20 شهادة معايرة للأجهزة الطبية بمستشفى الكبد والجهاز الهضمي    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    تعليق مثير فليك بعد فوز برشلونة على مايوركا    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    الأردن يدين بشدة اعتداءات الاحتلال على المسيحيين في القدس    كيف تتعاملين مع الصحة النفسية للطفل ومواجهة مشكلاتها ؟    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الإسلام دين شامل ينظم شؤون الدنيا والآخرة ولا يترك الإنسان للفوضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«يا مدلدل بن عمي»
نشر في أخبار مصر يوم 27 - 10 - 2008


الشرق الاوسط: 27/10/20078
من منكم يتذكر صورة مايكل جاكسون الشهيرة وهو «يدلدل» ابنه من الشباك في أحد فنادق ألمانيا، أمام حشد من المعجبين والمصورين الذين تجمهروا في الساحة الأمامية للفندق، التي أثارت وقتها انتقادات واسعة من الرأي العام الغربي ومنظمات حماية حقوق الطفل ومنظمات إنسانية وحقوقية عديدة؟
بعض المعنيين في الصحف والفضائيات، حكومات أو أفرادا، يكررون فعلة جاكسون كل يوم، و«يدلدلون» علينا كتابهم ومثقفيهم من تلك النوافذ أو الشبابيك الالكترونية، ولا نعرف كيف أصبح لهؤلاء الحق في أن يطلوا علينا بشكل يومي أو أسبوعي، ما هي مؤهلاتهم أو خبراتهم التي تؤهلهم لنصح العامة؟ من تلك النوافذ الالكترونية يدلدل هؤلاء أرجلهم ويتفننون مرة في إلقاء قشور لب «يقزقزونه» على المارة، ومرة يرموننا ببقايا أطعمة يأكلونها، ومرات مرات يسح منهم علينا ما لا يستحسن ذكره.
في بلاد الغرب، وحتى في بعض بلاد الشرق، هناك معايير ومؤسسات حاكمة نثق فيها تقول إن فلانا أو علانا مؤهل كي يعتلي هذا المنبر أو ذاك.
في الغرب يصعد الكاتب والصحافي بحكم التجربة الطويلة سلم الكتابة خطوة خطوة، نراه وهو يصعد بسهولة أحيانا، ونراه وهو يتعثر في الصعود أحيانا أخرى، وننتظر اللحظة التي يصل فيها إلى الشباك ليطل علينا معلقا ومحللا، ينقل لنا خبرته التي أنضجها علم أكاديمي صارم وعمل دؤوب وسنوات خبرة طويلة. أما في العالم العربي، فجأة يطل علينا من شباك صفحات الرأي في الجرائد أو برامج التلفزيون الفضائية، بيروقراطي سابق أو ضابط سابق أو مخبر سابق، ليحلل وينظر ويدلي بدلوه في قضايا كبرى، ولا نعرف من الذي «يدلدله» علينا من فوق ويمسك به من خلف الشباك ليلقي علينا قشور اللب، واللب هنا ليس بمعنى العقل أبدا وإنما اللب الذي «يقزقزه» مثقفو الحكومة.
من أين أتى هؤلاء؟ هل لنا أن نعرف ال«ريسومية» الخاصة بهم؟ أين تعلموا، وأين عملوا، وما الذي حصلوا عليه من خبرة تؤهلهم للكتابة في الشأن العام أو لإبداء الرأي الخبير في قضية ما؟ المؤسف أن الأمر لم يعد مقتصرا على الصحافة المكتوبة فقط، وإنما الفضائيات أيضا بدأت «تدلدل» علينا بشرا ممن يخرون ماء طهورا كل ساعة وعلى مدار الساعة، من دون أن تقول لنا هذه الفضائيات من أين أتى هؤلاء ومن هؤلاء؟ وعلى أي أساس تم اعتمادهم خبراء لتشكيل وصياغة الرأي العام في مجتمعاتنا؟
المشكلة الرئيسية في الإعلام العربي اليوم هي ثقافة الإعلام الرخيص أو «الاسترخاص». فظاهرة الاعتماد على المحلل، بشكل عام، هي نتيجة لفقر الصحافة أو الفضائيات للخبر، فمن الأرخص للمؤسسات الإعلامية أن تأتي بمحلل أو كاتب رأي ليتكلم أو يكتب عن ظاهرة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو رياضية، بدل أن تقوم هذه المؤسسات بتدريب صحافيين تدريبا عاليا وجادا يؤهلهم لتقديم تقرير متكامل عن خبر أو حدث يراد تحليله. تركيب القصة الخبرية التلفزيونية أمر مكلف ماديا، يتطلب استعدادا مسبقا ومبكرا لالتقاط القصة في وقتها ومكانها، حيث يتطلب جهد فريق عمل كامل من صحفيين يخططون للعمل، ومراسلين على الأرض مكان القصة أو الحدث، Future Planning المستقبلي وأذونات تصوير، إن كانت هناك جهات رسمية وحكومية ضالعة في الموضوع، إذا استلزم الأمر، هذا كله Narration، ومن ثم عمل مونتاج للقصة والكتابة لها يكلف المؤسسة الإعلامية أموالا كثيرة وجهدا كبيرا وسباقا ضاغطا مع الزمن ولا يتم بالطبع من دون وجود كادر صحفي مدرب ومؤهل مهنيا، لذا تفضل الصحف والقنوات الفضائية أن تتجنب كل هذا الصداع، وتقدم من شباكها خبيرا لا نعرف من هو، ولا كيف أتى بتلك الخبرات المتنوعة في التنقل مثل طائر «الحسون» في الحديث من سوزان تميم، إلى قضايا التسلح النووي، إلى العلاقات الأمريكية العربية، إلى تنظيرات حول «القاعدة»، قاعدة بن لادن لا القاعدة الأمريكية.. كل هذا يعرفه شخص خبير واحد لا نظير له ولا مثيل له ولم تنجب النساء شبيها له من قبل. هذا الشخص هو البديل الأرخص والأسهل عن القيام بعمل قصة صحافية جادة، فبدلا من التعب ووجع الدماغ اللذين تستلزمهما القصة الصحافية من استقصاء وبحث قد تصل مدتهما إلى الشهور والأسابيع، تستعيض الصحيفة بشخصية «المدلدل»، أي تتخلى الصحيفة أو القناة عن كونها قناة وصحيفة إخبارية إلى كونها صحافة رأي، الرأي والرأي الآخر، بدلا من الخبر والخبر الآخر. وتحرم المشاهد أو القارئ من الصحافي الجاد الذي يقدم لنا الخبر والمعلومة والحدث كما هي، بتوازن ودقة وموضوعية وحيادية تامة. تنشئ المؤسسات الإعلامية الغربية مثل البي بي سي، Journalism School، مدارس إلكترونية للصحافة على مواقعها الانترنتية لتدريب الصحافيين الجدد على أسسها المهنية والاخلاقية، تكون بمثابة المرجع الذي يعود إليه الصحافي المتدرب أو الجديد عند الحاجة أو حتى يتمكن تماما من أدوات مهنته، وتقوم المؤسسة ذاتها بتطوير هذه المدرسة الإلكترونية كلما استدعت الحاجة.
وينصح كل أفراد فريق العمل على اختلاف سنوات خبرتهم، بأن يراجعوا هذا الموقع الإلكتروني كلما سنحت لهم الفرصة للاطلاع على أي تطور أو تعديل طرأ عليه. هذا التأصيل للعمل الإعلامي الذي يحدد المعايير المهنية المطلوبة ضروري، فهو الذي لا يقبل أن تكون المؤسسة الإعلامية مؤسسة رأي لا خبر، وهو الذي لا يقبل أن «يدلدل» له خبير من نافذته الإعلامية.
هؤلاء الأشخاص يفرضون عندما يكون السلم المؤدي الى النافذة غير متاح لأصحاب الكفاءات والموهبة الحقيقية. عندما تتحكم الحكومات أو وكلاء الحكومات في النوافذ الإعلامية، لا يكون هناك تنافس إيجابي على صعود السلم المهني ووصول من هو أجدر وأكثر علما وكفاءة، فالحكومة تأخذ من تريد وفجأة «تدلدله» علينا من النافذة، وعلى الجمهور أن يتقبل ما يعرض عليه من نافذة الحكومة ونافذة الفضائيات. المفارقة هي أن بعض الحكومات العربية اليوم وكثير من المؤسسات الأهلية، التي من المفترض أنها تخطو نحو التقدم، تمنح جوائز إبداع وجوائز صحافية لشخص كل إمكاناته أنها، أي هذه الحكومات والمؤسسات، هي التي «دلدلته» علينا من الشباك. وعلينا أن نقبل الماء المتسخ الهابط منه على رؤوسنا.
هل لنا أن ننتقل من صحافة «الدلدلة» التي تستسهل وتسترخص، إلى الصحافة الخبرية والحرفية المكلفة ماديا وحرفيا؟ وهذا الانتقال لن يتم ولن يتطور الإعلام العربي ما لم نعرف أين هو السلم المؤدي للشباك أو النافذة التي يطل علينا منها المثقفون والخبراء والمحللون.
أما أن يظل السلم خفيا وتمتلئ شاشاتنا وصحفنا بالسابقين لا اللاحقين، من وزير سابق أو قريب وزير أو ضابط سابق أو بيروقراطي سابق، فعندها سيكون «المدلدل» هو الخيار الوحيد، وستكون لدينا حرية الاختيار بين «مدلدل» الحكومة أو «مدلدل« المعارضة، «مدلدل» القطاع العام، و«مدلدل» القطاع الخاص، ولا يبقى لنا سوى أن نغني مبتهجين معا مع مطربة البادية السمراء سميرة توفيق: يا «مدلدل» بن عمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.